الصين و المملكة العربية السعودية: شراكة تحت الضغط

الصين و المملكة العربية السعودية: شراكة تحت الضغط

2023-12-05
787 مشاهدة


في موقع The Diplomat تحدث الكاتب "دنكان بارتليت" في تحليله المعنون "الصين والسعودية: شراكة تحت الضغط" عن العلاقة الناشئة بين السعودية والصين، ويربط بين خطاب الصين الحالي تجاه ما يدور في غزة وبين تقارُب بكين مع المملكة مما يؤدي إلى الإضرار بالمساعي الأمريكية الرامية لإيجاد توافُق وعلاقة بين إسرائيل والرياض، كما يرجح التحليل أن تقوم السعودية بتفضيل علاقتها بالصين لخلق توازُن اقتصادي بعد الزعزعة التي سبَّبتها الحرب في غزة، وهذا بدوره يُقوِّي موقف منافسي الولايات المتحدة في المنطقة.

نصّ الترجمة:

لقد أصبح الأطفال في السعودية ملزمين بتعلُّم اللغة الصينية، فقد قامت وزارة التربية والتعليم بإصدار تعليمات إلى جميع المدارس الثانوية العامة والخاصة بتدريس اللغة الصينية (الماندرين) بمعدل درسين على الأقل في الأسبوع، وقد يتم توسيع الخطة قريباً لتشمل الجامعات والمدارس الابتدائية.

تم إصدار هذا التفويض بفرض دروس اللغة الصينية من قِبل الزعيم الفعلي للسعودية، وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يسعى لتحقيق رؤية لبناء “شراكة إستراتيجية شاملة” مع الصين. وفي شهر آب/ أغسطس 2023، تمت دعوة السعودية بشكل غير رسمي إلى تحالُف "البريكس"، الذي يضمّ الصين والبرازيل وروسيا والهند وجنوب إفريقيا.

تشمل رؤية ولي العهد السعودية جميع النواحي الاقتصادية، وتُركّز بشكل خاص على تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط، ويزعم الصينيون أنهم في وضع مثالي للمساعدة في تحقيق هذا الهدف، مؤكدين على الفرص المتاحة في مجال البِنْية الأساسية، والانتقال إلى الطاقة الخضراء، وفي النصف الأول من عام 2022، تلقّت السعودية استثماراتٍ وعقوداً بقيمة 5.5 مليار دولار من خلال مبادرة الحزام والطريق الصينية، وهي حصة أكبر من أي دولة أخرى، وفقًا لمجلة "الإيكونوميست".

وتغطي اتفاقيات الاستثمار الأخيرة التكنولوجيا والطاقة المتجددة والزراعة والعقارات والمعادن والخدمات اللوجستية والسياحة والرعاية الصحية. وقد تم الترحيب في السعودية بالمصنعين الصينييْنِ للسيارات الكهربائية، مثل شركة Enovate Motors ومقرها تشجيانغ، على عكس الاستقبال الفاتر الذي تلقته تلك الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا.

ومع ذلك، فإن التوتر الأخير في المنطقة يثير قلق المستثمرين، حيث قامت حركة حماس بشنّ هجوم غير مسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، مما أسفر عن مقتل أكثر من 1400 شخص واحتجاز أكثر من 200 رهينة. ورداً على ذلك، واصلت إسرائيل حملة قصف عنيفة على غزة، متعهدة بالقضاء على حماس بالكامل، ولكن التكتيكات الإسرائيلية ــ وخاصة القيود المفروضة على واردات الغذاء والمياه والوقود ــ وارتفاع أعداد القتلى بين المدنيين، كانت سبباً في إثارة قَلَق متزايد في المجتمع الدولي. 

حتى وقت كتابة هذه المادة، أبلغت وزارة الصحة في غزة عن مقتل أكثر من 13 ألف شخص في القتال منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بينهم أكثر من 5500 طفل، وقد قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي على إثر ذلك: إن بلاده تشعر بقلق عميق إزاء استمرار تصعيد النزاع والعدد الكبير من الضحايا المدنيين، بحسب وزارة الخارجية، وقد تزامنت تصريحاته مع تحذير من “احتمال التصعيد” أصدره وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

وبعد أن بلغت أسعار النفط 92 دولاراً للبرميل الواحد، قام مبعوث الصين الخاص إلى الشرق الأوسط، تشاي جون، بجولة في المنطقة، في محاولة لضمان الحفاظ على سلاسل إمدادات الطاقة، فالصين هي أكبر مشترٍ للنفط الخام في العالم، حيث إن 50% من نفطها مستورَد من دول مجلس التعاون الخليجي؛ 18% تأتي من السعودية وحدها.

لقد جاءت الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة في الوقت الذي كانت فيه إدارة بايدن تسعى إلى التوسط في صفقة تاريخية بين السعودية وإسرائيل، والتي كانت تأمل أن تؤدي إلى استقرار المنطقة.

تتنافس الصين بشكل مباشر على النفوذ في الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة، وبينما أيَّدت كل من إدارة ترامب وبايدن إسرائيل بشدة، كانت الصين مناصرة للقضية الفلسطينية.

ومع ذلك، وفقاً لجاليا لافي (Galia Lavi)، الباحثة ونائبة مدير مركز السياسة الإسرائيلية الصينية في تل أبيب هناك حدود لالتزام بكين، حيث قالت لافي: "لقد وضعت الصين نفسها في موقف صعب، فعلى مرّ السنين، لم تُقدِّم للفلسطينيين سوى القليل من المساعدة الحقيقية، كما لا توجد لدى الصين أي استثمارات في مناطق السلطة الفلسطينية، والتجارة مع السلطة منخفضة للغاية، والمساعدات الإنسانية للفلسطينيين أقل بكثير من تلك المُقدَّمة من الدول الأخرى".

لكن من الناحية الخطابية، حرصت الصين على التحدث مع الفلسطينيين، وذلك لإرضاء الدول العربية بشكل أساسي، ولذلك عندما قام مقاتلو حماس بشنّ الهجوم على الإسرائيليين، فشلت الصين في إدراك حجم الحدث وأطلقت تصريحات "محايدة".

وفقاً للافي منذ بَدْء الحرب لم يقتصر الأمر على الزيارات رفيعة المستوى إلى إسرائيل من قِبل بلينكن فحَسْبُ، بل أيضاً من قِبل المسؤولين الأمريكيين، لقد أظهر الرئيس جو بايدن أن “الولايات المتحدة لم تخرج من المنطقة، خلافاً لمزاعم الصين في السنوات الأخيرة"، وفي المقابل لم يَقُمْ وانغ بأي زيارة ولم يَقُم الزعيم الصيني شي جين بينج بإجراء مكالمة هاتفية واحدة حتى مع أيّ زعيم إقليمي.

تقول لافي: إن الصين جعلت من نفسها دولة غير موثوقة بالنسبة للدول العربية، إذ إن تلك الدول لا يمكنها أن تنتظر شيئاً من بكين في أوقات الحاجة.

لقد كان الغزو البري لغزة من قِبل القوات الإسرائيلية موضوع نقاش مكثف بين الدبلوماسيين والقادة السياسيين، وقد اتخذت السعودية في البداية موقفاً أكثر تسامُحاً تجاه إسرائيل من الدول العربية الأخرى، ولكن يبدو أنها أصبحت أكثر انتقاداً مع اشتداد حملة الجيش الإسرائيلي.

وقال جيسي ماركس (Jesse Marks)، الباحث غير المقيم في مركز ستيمسون، لصحيفة The Diplomat إنه سيكون من الصعب إنقاذ تطبيع العلاقات الإسرائيلية السعودية إذا استمرت العمليات الإسرائيلية في غزة لفترة طويلة.

ويعتقد أيضاً أنه من المرجح أن تقف الصين إلى جانب الدول العربية في إدانة إسرائيل، مع الحفاظ على موقف عامّ يدعو إلى وقف التصعيد. ومن وجهة نظر ماركس، تحاول الصين منع شريكتها الأخرى "إيران" من الانجرار إلى الصراع.

وأشار ماركس إلى أن "عدم إحراز تقدُّم في القضية الفلسطينية ظل أكبر مفسد لمجموعة واسعة من أجندات التطبيع والتقارب التي تم إجراؤها هذا العام". "من المعروف بين الباحثين في شؤون الشرق الأوسط أن أي مشروع كبير، بدءاً من التطبيع إلى الممرات الاقتصادية، سيثير السؤال "ماذا عن الفلسطينيين؟" وهذا يسلط الضوء على صعوبة الموازنة.

من الخصائص غير العادية للسعودية استعدادها للشراكة مع كل من الولايات المتحدة، وإلى حدّ أقل، مع الصين في قضايا الأمن. في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، شاركت البحريتان السعودية والصينية في تدريبات مشتركة تحت شعار "السيف الأزرق"، والتي أُقيمت في تشانجيانغ في مقاطعةGuangdong ، وفقاً لصحيفة الجيش الصيني الرسمية (PLA Daily).

ومع ذلك على الرغم من هذه الروابط مع الصين، فمن غير المرجَّح أن تتخلى السعودية عن علاقتها السياسية والإستراتيجية الوثيقة مع الولايات المتحدة، وفقاً لميرسي كو (Mercy Kuo)، مستشار المخاطر الجيوسياسية في بامير (Pamir)، وهي شركة استشارية للمخاطر العالمية مقرها واشنطن.

وقالت كو: إن "أمريكا هي الضامن الرئيسي لأمن السعودية، هناك أكثر من 2700 عسكري أمريكي في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ولدى القوات الجوية خمس قواعد توفر قُدُرات الدفاع الجوي والصاروخي".

وأضافت كو: إنه إذا تصاعد الصراع بين إسرائيل وحماس، فإن السعودية ستتطلع إلى الولايات المتحدة للحصول على الحماية؛ لأن واشنطن تظل صاحبة الوجود العسكري الأهم في الشرق الأوسط. وفي المنافسة الجيوستراتيجية الأوسع بين الصين والولايات المتحدة، أوضحت كو أن "بكين تستخدم الصراع بين إسرائيل وحماس للإشارة إلى تأكيد الصين دعمها للدول العربية التي تضع الصين كثقل موازن بديل للقيادة الأمريكية في المنطقة".

"في ظل هذه الضغوط، من المرجح أن يؤكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على المصالح المشتركة بين السعودية والصين في التخفيف من القوى المزعزعة للاستقرار التي قد يلحقها الصراع الطويل الأَمَد بالمنطقة، حيث تتلاقى بكين والرياض على تعزيز المصالح الاقتصادية والجيوسياسية طويلة الأجل".

ترجمة: عبد الحميد فحام

المصدر: (The Diplomat)