محرِّكات تغيّر أسعار موارد الطاقة في عام 2024
2024-01-151109 مشاهدة
تشكل موارد الطاقة بأشكالها المتنوعة لا سيما النفط والغاز عصب الاقتصاد العالمي، وأي ارتفاع أو انخفاض يطرأ على أسعارها له تَبِعات اقتصادية وسياسية. فعلى المستوى الاقتصادي، يؤدي ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى تضخُّم في الاقتصاد العالمي، والذي بدوره ينعكس بشكل سلبي على حركة التجارة العالمية وعلى مستويات النموّ، وأبرز مثال على ذلك ما يعيشه الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي من تباطُؤ في النمو وارتفاع نِسَب التضخُّم، والتي كان سببها الأول ارتفاع أسعار النفط والغاز بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. وتنسحب التَّبِعات الاقتصادية السلبية على الأوضاع السياسية أيضاً كما حصل في بعض الدول الأوروبية التي شهدت خروج احتجاجات نتيجة ارتفاع مستويات التضخم. كما يؤدي بدوره انخفاض أسعار موارد الطاقة إلى انعكاسات سلبية على اقتصادات الدول المنتجة، فغالبيتها تعتمد على تجارة موارد الطاقة في اقتصادها، إلا أن انخفاض أسعار الطاقة ليس له تَبِعات سلبية على الاقتصاد العالمي. انطلاقاً من هذه المقدِّمة يتَّضِح لدينا أهمية استقرار أسعار موارد الطاقة على الاقتصاد العالمي وعلى الأنظمة السياسية للدول، ونحاول في سطور هذه المقالة أن نضع مجموعة من السيناريوهات لأسعار موارد الطاقة بناءً على عدد من المحدِّدات السياسية والاقتصادية التي قد يشهدها العام الحالي 2024.
من المهمّ التنويه بأننا عندما نتحدث عن أسعار موارد الطاقة فنقصد بالدرجة الأولى النفط ويليه الغاز والفحم، وتُشكِّل تلك الموارد 82٪ من حجم الاستهلاك العالمي لموارد الطاقة[1]، ويُعَدّ النفط مقياساً لارتفاع وانخفاض أسعار موارد الطاقة الأخرى.
سيناريوهات أسعار موارد الطاقة
عندما نناقش سيناريوهات ارتفاع أسعار موارد الطاقة في عام 2024 نجدها أكثر احتمالاً من سيناريوهات انخفاض الأسعار، وذلك لأننا أمام عدد من الاضطرابات السياسية والعسكرية القابلة للانفجار والتوسع، وذلك إلى جانب تمسُّك الدول المنتجة للنفط بتطبيق سياسات تخفيض الإنتاج.
في النصف الأول من العام الحالي قد يرتفع سعر برميل النفط في حال توسُّع دائرة العمليات العسكرية للحرب الإسرائيلية على غزة، ونقصد هنا أنه في حال صعدت إيران وحلفاؤها من سلوكهم الهجومي، وقاموا بكسر قواعد الاشتباك كردّ على الضربات المركزة الاستخباراتية التي وقعت في إيران والعراق، والاغتيالات في جنوب لبنان وسورية، وقد تمارس طهران وحلفاؤها سلوكاً عسكرياً يقوم على الاحتمالات التالية: الاحتمال الأول، عرقلة الحوثيين لحركة السفن التجارية المحملة بالنفط العابرة من مضيق باب المندب، وهذا سيؤدي لارتفاع تكلفة النقل والتأمين للشحنات، وبالتالي سترتفع أسعار موارد الطاقة، وهو سيناريو محتمل وقد يرفع الأسعار إلى مستوى 90 - 95 دولاراً للبرميل، ويستهدف هذا السيناريو بشكل مباشر دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستهلكي الطاقة في العالم. الاحتمال الثاني، القيام ببعض الضربات المركَّزة على سفن النفط العابرة من مضيق الخليج العربي، وقد تكون أشبه بالعمليات التي قامت بها إيران خلال السنوات السابقة بضرب السفن على موانئ الإمارات بطائرات بدون طيار[2]، وهو سيناريو محتمل، وقد يؤدي إلى رفع سعر برميل النفط إلى مستوى 100 دولار وما فوق. الاحتمال الثالث، قد تلجأ إيران إلى استخدام الطائرات بدون طيار لضرب منشآت النفط في شرق السعودية، وتكرر كثيراً هذا السيناريو خلال السنوات السابقة، إلا أنه مستبعَد في الفترة الحالية؛ لأن الطرفين دخلا مرحلة تجميد الخلافات ودعم الاستقرار على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة. ومن المهم التنويه بأن سيناريوهات ارتفاع أسعار موارد الطاقة الناتجة عن اضطرابات سياسية أو عسكرية أثرها ليس طويل المدى، أي بمجرد تلاشي السبب السياسي أو العسكري للارتفاع تعود وتنخفض الأسعار لتستقر عند السعر الحقيقي.
ومن السيناريوهات المهمة التي قد تساهم في رفع أسعار موارد الطاقة الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها حكومات الدول، فعندما تسعى حكومات الدول إلى كبح جماح التضخم والبدء في تخفيض سعر الفائدة والتوجُّه نحو تسريع حركة الإنتاج، سيزداد الطلب على موارد الطاقة، حينها من المتوقَّع أن تصل أسعار النفط لمستوى 85 - 90 دولاراً للبرميل.
ويُعَدّ النمو الاقتصادي العالمي، وسياسة الدول المنتجة تجاه رفع أو خفض مستوى إنتاج النفط عامليْنِ ذَوَيْ تأثير طويل الأجل على أسعار النفط؛ لأنهما مرتبطان بسلوكيات وأساسيات السوق.
كما تساهم توقعات المناخ في هوامش أسعار موارد الطاقة، فانخفاض أو ارتفاع درجات الحرارة يرفع الطلب على موارد الطاقة، ففي شتاء عام 2022 لم تشهد أوروبا والعديد من دول العالم انخفاضاً في درجات الحرارة، مما خفض الطلب على الغاز، وعلى الرغم من الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن الأسعار لم ترتفع إلى مستويات عالية، والعكس صحيح، كما أن ارتفاع درجات الحرارة في الصيف يخلق الطلب على موارد الطاقة. وقد تساهم تقلُّبات درجات الحرارة في انخفاض أو ارتفاع أسعار موارد الطاقة، لا سيما عقود الغاز الفورية، وبحسب توقُّعات الطقس الأوروبية لعام 2024 ستكون الدول الأوروبية على موعد مع شتاء بارد جداً، على عكس شتاء 2023 المعتدل[3]، وذلك سيرفع من الطلب وأسعار العقود الفورية للغاز.
تجدر الإشارة إلى أن نتائج الانتخابات الأمريكية قد يكون لها انعكاسات على أسعار النفط والغاز، باعتبار أن واشنطن من أكبر منتجي النفط والغاز الصخري في العالم، ونتائج الانتخابات المستقبلية يمكن أن تؤثر على أسواق العقود الآجِلة للطاقة على الشكل التالي: إذا فاز الحزب الديمقراطي الذي يتبنَّى سياسة ضدّ التكسير الهيدروليكي في إنتاج النفط، قد يؤدي ذلك إلى انخفاض الإنتاج وبدوره ستميل العقود الآجِلة للطاقة إلى الارتفاع. أما في حال فوز الجمهوريين، وهم يتبنّون عملية التكسير الهيدروليكي وزيادة إنتاج النفط، سيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى انخفاض العقود الآجِلة[4].
ومن السيناريوهات التي قد تسهم في استقرار أسعار موارد الطاقة، استمرار "أوبك بلاس" في سياسة تخفيض الإنتاج الطوعي الحالية ومن دون تخفيضات جديدة، حينها قد تستقر الأسعار عند مستوى 80 دولاراً للبرميل تقريباً. لكن إذا ما قررت مجموعة "أوبك بلاس" تخفيض الإنتاج أكثر من المستوى الحالي، سيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى ارتفاع الأسعار. وقد تتبنَّى مجموعة "أوبك بلاس" قرار وقف تخفيض الإنتاج الطوعي عند إدراكهم تحقُّق معادلة توازُن العرض والطلب في السوق الدولية وأن أسعار النفط تتراوح بين 80 - 85 دولاراً للبرميل، وهو السعر الذي تراه الدول المنتِجة أنه عادل.
قد تكون سيناريوهات انخفاض أسعار موارد الطاقة قليلة، فالأسباب التي تبعث لانخفاض الأسعار لمستويات تحت 70 دولاراً لبرميل النفط منخفضة في العام الحالي 2024، فما زالت التوترات الجيوسياسية بين روسيا وأوكرانيا مستمرة، والحرب الإسرائيلية على غزة مشتعلة، ودول مجموعة "أوبك بلاس" متمسكة بسياسة التخفيض الطوعي حتى كتابة هذه المقالة، لكن يوجد سيناريوهات تؤدي إلى انخفاض أسعار موارد الطاقة، فقد يدخل الاقتصاد العالمي في حالة تراجُع وركود كنتيجة لعدم قدرة الدول على كبح جماح التضخُّم، كما أن لجوء الدول الكبرى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى الاستهلاك أو البيع من المخزونات الإستراتيجية قد يؤدي إلى انخفاض أسعار موارد الطاقة بهامش صغير ولفترة زمنية قصيرة، أيضاً يوجد عامل مهم قد يدفع إلى انخفاض الأسعار لكن على المدى الطويل، وهو الدفع العالمي لإنتاج واستهلاك الطاقة المتجدِّدة، فهناك توجُّه عالمي نحو الاستدامة، وإنتاج الطاقة المتجدِّدة، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري إلا أنها لا تزال أكثر تكلفة مقارنةً بالوقود الأحفوري.
بالنتيجة من المتوقع أن يستقرّ متوسط أسعار برميل النفط بين 75 - 80 دولاراً لهذا العام، إلى جانب استقرار أسعار عقود الغاز الفورية، وذلك فيما إذا استمر الوضع الدولي على هو عليه الآن، والمتمثل بعدم توسُّع الحرب في الشرق الأوسط، إلى جانب محافظة دول مجموعة أوبك بلاس على توازُن العرض والطلب في السوق الدولية، مع التدرُّج بالعودة إلى استقرار الاقتصاد العالمي.
ناقشنا في المقالة أبرز المحرِّكات المؤثرة في ارتفاع أو انخفاض أسعار موارد الطاقة المتوقَّعة للعام الحالي 2024، لكن يبقى عدم اليقين حول سلوك الدول تجاه الصراعات الجيوسياسية العالمية، وسياسات الدول الاقتصادية والدول المنتِجة لموارد الطاقة العامل عائقاً أمام التنبُّؤ بأسعار موارد الطاقة بشكل دقيق.
المراجع:
[1] أحمد شوقي، استهلاك الطاقة في العالم يرتفع 1% خلال 2022، والوقود الأحفوري يُلبي 82%، الطاقة، 26 حزيران/ يونيو 2023، الرابط
[2] تفجيرات الفجيرة، أمريكا تشارك بالتحقيقات وإيران تحذر من مخطط للحرب، الجزيرة نت، 13 أيار/ مايو 2019، الرابط
[3] شاهد: أوروبا تتجمد، موجة برد غير مسبوقة تُحطِّم الرقم القياسي، وبولندا تسجل 20 درجة تحت الصفر، euronews 7كانون الثاني/ يناير 2024 ، الرابط
[4] Diversegy (2024) Energy prices 2024: Forecast & Market trends, Diversegy. Available at: link