مكاسب روسيا وإخفاقاتها في قمة بريكس 2024
2024-11-04466 مشاهدة
Download PDF
تمهيد
عُقدت قمة بريكس بصيغتها الجديدة في مدينة قازان الروسية، بالفترة من 22 حتى 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بعد انضمام 4 دول للمجموعة بشكل رسمي وهي: مصر وإثيوبيا والإمارات وإيران، كما شارك في قمة قازان عدد من الدول غير الأعضاء في المجموعة، إلى جانب العديد من المنظمات الدولية.
تشكّلت المجموعة وعقدت أول قمة لها منتصف عام 2009، وضمت عند التأسيس 4 دول هي: البرازيل وروسيا والهند والصين، ثم انضمت لهم عام 2010 دولة جنوب إفريقيا، لتأخذ المجموعة اسمها من الأحرف الأولى للدول المؤسِّسة (BRICS).
أولاً: دلالة اختيار المكان
لم تكن مدينة قازان مؤهلة لاستضافة الوفود، حيث شارك في القمة 36 دولة، وفود 22 دولة منها كانت من القيادات العليا، إضافة لمشاركة 6 منظمات دولية، وكان الأكثر واقعية عقد القمة في موسكو أو سانت بطرسبورغ، وقد دارت نقاشات روسية داخلية حول هذا الأمر، إلا أن الكرملين أصر على اختيار قازان.
تمثل مدينة قازان الشرق بثقافتها، وهي عاصمة جمهورية تتارستان الفيدرالية الروسية إحدى الجمهوريات الثمانية ذات الأغلبية المسلمة التي يضمها الاتحاد الروسي، وأغلب سكان العاصمة قازان من التتر المسلمين الذين يغلب عليهم التصوف في الطقوس، ويوجد في المدينة نسبة كبيرة من السكان الروس الأرثوذكس، وتتمتع ببعض التأثيرات الغربية، بعدما استوطنها الروس منذ عام 1552 عقب إسقاط خانية قازان التترية الإسلامية.
أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التأكيد على جدية توجهات السياسة الخارجية الروسية، التي تم التركيز عليها بعد الحرب الأوكرانية، وهي أن روسيا دولة أوراسية، لديها خصوصية فريدة من نوعها، وأنها الدولة العظمى الوحيدة التي تجمع ما بين الشرق والغرب، والديانات الإبراهيمية الثلاث الإسلام والأرثوذكسية واليهودية، بجانب الديانات الآسيوية مثل البوذية والتنغرية.
ثانياً: الرسالة الروسية
عانت روسيا منذ بَدْء حربها على أوكرانيا نهاية شباط/ فبراير 2022 من العقوبات الغربية كمّاً ونوعاً، بشكل متسارع ربما لم يسبق له مثيل في العالم، وصولاً لصدور مذكرة توقيف ضد بوتين نفسه، وشكَّل شعور الانعزال عن العالم الغربي، ودعاياته بأن روسيا باتت دولة "منبوذة" عامل ضغط على الكرملين، خاصة أن بوتين وعد في انتخابه عام 2000 بأنه لا عودة لزمن العزلة أو "الستار الحديدي".
أراد الكرملين -أولاً وقبل كل شيء- التأكيد للشعب على أن روسيا ليست دولة معزولة، وأن لديها علاقات مع "الأغلبية العالمية"، وهو مصطلح جديد روج له سيرغي كاراغانوف (Sergey Karaganov) الرئيس الفخري لهيئة رئاسة مجلس السياسة الخارجية والدفاع في روسيا، والمقرب من الكرملين، ووفق هذا المصطلح "هناك أغلبية عالمية تتمتع روسيا معها بعلاقات صداقة وتعاون مقابل أقلية من الدول الغربية التي قررت قطع العلاقات مع روسيا نتيجة عدم تمتُّعها بالاستقلالية الكافية عن واشنطن".
أضاف بوتين لمصطلح "الأغلبية العالمية" مصطلح "جنوب شرق"؛ لتوسيع دائرة الدول التي يطلق عليها مصطلح "الجنوب العالمي" الموصوفة بأنها رافضة للهيمنة العالمية.
أراد بوتين من القمة تحقيق نجاح كبير، وإيصال رسالة للمواطنين الروس، ثم للدول الغربية، وبقية بُلدان العالم، وباعتقاده فقد حقق ذلك من خلال المشاركة الكثيفة للقادة والزعماء من 22 دولة، ولممثلي 14 دولة، ووفود 6 منظمات دولية على رأسها أنطونيو غوتيريش (Antonio Guterres) الأمين العامّ للأمم المتحدة الذي شارك بنفسه في القمة، وقد اُعتبرت مشاركته مفاجأة غير متوقعة، على إثرها تعرض للانتقاد من الولايات المتحدة، وأعلنت أوكرانيا أنه "شخص غير مرغوب فيه" لزيارة البلاد [1] .
احتفى الإعلام الروسي بالتقارير الصحافية الغربية التي أكدت نجاح القمة، ومنها تقرير قناة CNN الأمريكية، تحت عنوان: "أراد الغرب عزل بوتين؛ لكن القمة الكبرى التي يستضيفها أظهرت أنه ليس وحيداً على الإطلاق" [2] . كما ظهرت عدة تقارير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، أبرزها كان تحت عنوان: "بوتين يجمع الحلفاء لإظهار أن الضغوط الغربية على روسيا لا تُجدي نفعاً" [3] ، وغيرها من التقارير الغربية التي أكدت المعنى نفسه.
ثالثاً: أبرز مقرَّرات القمة
دارت نقاشات مكثفة قبل عقد القمة وأثناءها، وصولاً للبيان الختامي [4] ، الذي احتوى على عدد من المقرَّرات، أبرزها:
· النجاح في خفض التوتر بين الهند والصين، وصولاً إلى إعلان وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري (Vikram Misri) أن "الهند والصين توصلتا إلى اتفاق على طول خط السيطرة الفعلية" [5] ، وهو ما أكده لين جيان (Lin Jian) الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، حول إبرام الاتفاق [6] .
· الدعوة إلى تعزيز نظام منع الانتشار النووي، وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية.
· ضرورة تجديد جميع الأطراف للاتفاق النووي الإيراني.
· الدعوة إلى إصلاح مؤسسات Bretton Woods (المؤسسات الدولية المنبثقة عن مؤتمر النقد الدولي عام 1944 في الولايات المتحدة) من خلال زيادة مساهمة البُلدان النامية في الاقتصاد العالمي.
· دراسة إنشاء منصة نقل موحَّدة لضمان الخدمات اللوجستية متعددة الوسائط بين دول الرابطة.
· إدانة الهجوم الإسرائيلي على السفارة الإيرانية في دمشق وتفجير أجهزة الاستدعاء "البيجر" في لبنان.
· الترحيب بإنشاء منصة استثمارية جديدة تستخدم البِنْية التحتية لبنك التنمية الجديد.
· ضرورة الاحترام غير المشروط لسيادة سورية وحماية أراضيها وسلامتها.
· الدعوة إلى إنشاء بورصة حبوب تغطي قطاعات الزراعة الأخرى في المستقبل.
· دعم انضمام دولة فلسطين المستقلة إلى الأمم المتحدة ضِمن حدود حزيران/ يونيو 1967.
· تحويل بنك التنمية الجديد إلى بنك تنمية متعدد الأطراف لدول الأسواق الناشئة.
رابعاً: المفاهيم والمشاريع الجديدة
صدر عن القمة عدد من المفاهيم التي تبدو جديدة، بجانب عدد من مقترحات المشاريع، وهي:
· التشديد على الدعوة إلى "عالم متعدد الأقطاب"، حيث ركز بوتين والمشاركون في القمة على هذا المصطلح، بجانب "التعدُّدية القطبية الاقتصادية".
· التركيز الروسي من قِبل الرئيس بوتين، والسياسيين والإعلام الروسي، على مصطلحات رئيسية:
الأول : "الأغلبية العالمية".
الثاني : "جنوب شرق"، وهو مصطلح بديل عن "الجنوب العالمي"، شدد عليه بوتين، للإشارة إلى شرق وجنوب العالم الممثل للحضارات والأديان والثقافات العتيقة، والمعرَّض للضغوط والأزمات بسبب السياسات الغربية.
الثالث : "التعدُّدية القطبية"، وقد شملت مفهومين رئيسيين، التعدُّدية بالمفهوم الجيوسياسي لأقطاب إقليمية، لا نظام أحادي أو قطبين كما كان في الحرب الباردة، والقائم على الثقافة لا الأيديولوجية، والثاني يخص التعدُّدية بالمفهوم الاقتصادي، لخلق نظام جديد بجانب النظام الدولي Bretton Woods وما انبثق عنه من مؤسسات، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
· تركيز الرئيس الروسي في أكثر من موضع، على أن مؤتمر بريكس لا يمثل "تحدياً لأحد"، والمجموعة ليست "موجَّهة ضدّ أحد"، ولا تسعى لتكون "بديلاً". كما جرى التشديد على هذه التصريحات من قِبل مجتمع الخبراء الروس، وقد ظهر في الإعلام الروسي بكثافة أندري فرولوف (Andre Frolov) الأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد في الجامعة الوطنية للأبحاث، والمقرب من الكرملين، عَبْر قوله: "يريد الرئيس بوتين القول بأن بريكس تمثل شيئاً جديداً أكثر كفاءة وفاعلية، ويتلافى أخطاء الوضع القائم ومشكلاته، ويمكنها العمل بجوار ما هو موجود لا بديلاً عنه، حتى لا تثير هذه العبارة مخاوف بعض الدول الأعضاء أو التي تنوي العضوية، وكذلك عدم إدخال العالم في صراع يبدو أنه قائم على أساس نموذجين مختلفين كما كان في ظل الحرب الباردة" [7] .
· تأكيد الرئيس الصيني على نفس العبارات التي رددها الرئيس الروسي، فيما يبدو أنه اتفاق بين الطرفين على هذا النهج.
· تشديد روسيا والصين على أن المجموعة لا تهدف للدخول في نزاع مع أيّ طرف أو التحدي لأيّ طرف أو الخروج عن القانون الدولي، بل تسعى لعودة العمل بالقواعد والقانون الدولي (في إشارة لعالم ما قبل تفكُّك الاتحاد السوفياتي).
· ظهور مصطلح "البلدان الشريكة"، لضمّ دول جديدة للمجموعة، في إطار عضوية "الشراكة" دون العضوية الكاملة، لكسب بعض الدول المؤثِّرة التي لا ترغب في استفزاز الغرب أو لضمّ دول دون العضوية لاعتراض أعضاء على منحها العضوية الكاملة (على سبيل المثال: رفض البرازيل انضمام فنزويلا، والهند انضمام تركيا، وبعض الدول التي ترفض انضمام الجزائر).
· السعي لتحويل المنظمة من إطار واسع فضفاض لمؤسسة لها هيكلية من كافة الأعضاء، ولبعض قراراتها صفة "الإلزام"، ونشر الإعلان النهائي وتوزيعه في الأمم المتحدة في وثيقة مشتركة، وقد أعلن [8] ذلك الرئيس الروسي وأيَّد مقترحه الوفد الإماراتي.
· تشكيل منظمتَيْ مجتمع مدني من المتخصصين في مجالَي السياسة والاقتصاد من الدول الأعضاء، لتقديم توصيات ومقترَحات للدول الأعضاء، ورفعها لرئاسة القمة القادمة في البرازيل.
· طرح فكرة تأسيس "اتحاد صحافيي وإعلاميي بريكس" للدفاع عن الحرية والحقوق للصحافة والإعلام للدول الأعضاء مقابل ما يُوصف روسياً بسياسة "تكميم الأفواه" الغربية.
· تأسيس منصّة مالية جديدة، لتقديم القروض، ودعم مشاريع التنمية المستدامة للدول الأعضاء في المنظمة.
· التفكير في "عملة تصدير" خاصة بدول المجموعة، وقد عرض بوتين تصميماً لشكل هذه العملة أثناء القمة.
· موافقة روسيا على المبادرتين الصينية والبرازيلية لحلّ الأزمة الأوكرانية.
· بَدْء نقاش تفعيل آلية الدفع المالي BRICS PAY بين الدول الأعضاء بجانب نظام SWIFT، وَفْق أهداف تحقيق السيادة والازدهار، وتحقيق الاستقلال المالي، وقد تم إطلاق موقع إلكتروني [9] خاص بالمنصة المالية BRICS Pay، متضمنة بيانات وتقارير مالية سنوية عن الدول الأعضاء، وأوجُه التعاون المشترك.
خامساً: أبرز الإخفاقات
ثَمَّتَ بعض الإخفاقات التي ظهرت في القمة وأهمها:
· عدم انضمام السعودية بشكل رسمي وبعضوية كاملة للمجموعة، واكتفاؤها بأن تكون بعضوية "شريك"، ومثَّل وفدَها وزيرُ خارجيتها في اليوم الأخير للقمة.
· عدم قبول الأرجنتين الانضمام للمجموعة بصفة عضو أو شريك.
· عدم قبول كازاخستان الانضمام للمجموعة كما كانت تأمل روسيا.
· عدم قدرة روسيا على حل التناقضات بين بعض البُلدان المؤسِّسة للمجموعة والدول التي أرادت موسكو ضمها مثل الجزائر وفنزويلا وتركيا.
· رفض صربيا التي تُوصف في الأدبيات الروسية بأنها "الأخ الأرثوذكسي" الدخول في المجموعة أو حضور القمة، بعدما أعلن [10] رئيسها في تشرين الأول/ أكتوبر 2023 أنَّ أولوية بلاده هي الانضمام للاتحاد الأوروبي.
الخُلاصة
أراد الرئيس الروسي من استضافة قمة دول بريكس في قازان إيصال رسالة تؤكد أن بلاده ليست "معزولة"، ويعتقد الكرملين ومسؤولوه أن روسيا نجحت في هذه الأولوية، وأوصلت الرسالة للشعب الروسي ونُخَبه السياسية والثقافية والاقتصادية، ثم لجميع دول العالم بما في ذلك الدول الغربية.
في المقابل فإن مجموعة بريكس ما تزال مجرد تجمُّع فضفاض، قراراتها لا تحمل صفة الإلزام في ظلّ وجود عدد كبير من التناقضات بين أعضائها، ويعود ذلك لكونها نشأت في الأساس "صرخة من الدول المؤسِّسة للقُوَى الغربية طلباً لنَيْل موطئ قدم في النادي الغربي" [11] ، كما أن المجموعة تفتقد لأي تنسيق ينشط التجارة المشتركة والاستثمارات بين أعضائها، في ظل عدم وجود اتفاقية لحرية التنقل ولو لرجال الأعمال والمستثمرين، ولا اتفاقيات تجارة حرة، أو حماية وحرية للاستثمارات، أو منع الازدواج الضريبي.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)
الهوامش:
[1] Ukraine blasts U.N.'s Guterres over invitation to BRICS summit in Russia, October 22, 2024. Link
[2] Simone McCarthy, The West wants Putin isolated. A major summit he’s hosting shows he’s far from alone , CNN, October 22, 2024, Link
[3] Steve Rosenberg, Putin gathers allies to show West's pressure isn't working, BBC, October 22, 2024. Link
[4] إعلان قازان لقمة "بريكس" السادسة عشرة ، روسيا اليوم، 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2024. الرابط
[5] الهند والصين تتفقان على حل نزاع حدودي وتسيير دوريات مشتركة ، الجزيرة نت، 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2024. الرابط
[6] قمة البريكس تتمخض عن اتفاق تعاون يُنهي أزمة خلاف حدودي بين الهند والصين ، مونت كارلو الدولية، 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2024. الرابط
[7] Андрей Фролов , Российская внешняя политика : восстановление баланса вместо черчения « красных линий » , Россия в глобальной политике , октябрь 22.2024. Link
أندري فرولوف، السياسة الخارجية الروسية: استعادة التوازن بدلاً من رسم "الخطوط الحمراء" ، مجلة روسيا في السياسة العالمية، 22 تشرين الأول/ أكتوبر 2024.
[8] بوتين: "بريكس" تبنّت الإعلان النهائي لقمة قازان ونخطط لنشره في الأمم المتحدة كوثيقة مشتركة، روسيا اليوم، 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2024. الرابط
[9] BRICS Pay Platform: https://www.brics-pay.com/
[10] الرئيس الصربي: انضمام البلاد إلى الاتحاد الأوروبي هي أولويتنا، روسيا اليوم، 2 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. الرابط
[11] أحمد دهشان، مجموعة بريكس.. الطموح والتحديات، سكاي نيوز عربية، 21 حزيران/ يونيو 2023. الرابط