معضلة البحر الأحمر لإسرائيل: ضرب الحوثيين أم إيران؟

معضلة البحر الأحمر لإسرائيل: ضرب الحوثيين أم إيران؟

2025-01-08
96 مشاهدة


وسّعت إسرائيل من حملاتها الأمنية والعسكرية لتأمين أمنها القومي بعد تشرين الأول/ أكتوبر 2023، فاستهدفت أذرع إيران القريبة ووكلاءها في فلسطين ولبنان وسوريا، وأيضاً الوكيل الآخر البعيد جغرافياً في اليمن. 

جماعة الحوثيين في اليمن ليست كما الوكلاء الباقين لإيران، فهناك خصوصية يناقشها الكاتب دوف ليبر   Dov Lieber لتعامُل إسرائيل والقُوى الغربية مع هذه الجماعة، إضافة لقراءة احتمالات الاستهداف المباشر من إسرائيل لإيران وتأثير ذلك على جماعة الحوثيين، في مقال ينشره الكاتب في  صحيفة وول ستريت جورنال ويترجمه مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية.   

نص الترجمة 

قام الجيش الإسرائيلي بمواجهة التهديدات المرتبطة بالأمن القومي الإسرائيلي إثر هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، من خلال ما قام به العام الماضي بتحييد القيادة العُليا لحركة حماس، ثم إلحاق ضربات مُوجِعة بحليف إيران الكبير الآخر في المنطقة حزب الله اللبناني، بضرب قياداته من الصفّ الأول ومواقعه في لبنان، ليبدأ صُنّاع القرار في تل أبيب بالتفكير بالتخلّص من تهديد حليف إيران الآخر في المنطقة، جماعة الحوثيين في اليمن . 

تركز إسرائيل أنظارها في الوقت الحالي على جماعة الحوثيين المتمردة في اليمن، التي تمثل مشكلة حقيقية بإطلاقها الصواريخ بانتظام باتجاه إسرائيل، وهي مشكلة لا توجد حلول واضحة للتعامل معها، وقد استهدفت إسرائيل حتى الآن ما تسميه البِنْية التحتية للطاقة والنقل التي يستخدمها الحوثيون لأغراض عسكرية، وتقول: إن الخُطوة التالية هي استهداف قادة الصفّ الأول للجماعة، تماماً كما فعلت قواتها الأمنية مع حماس وحزب الله . 

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس  Israel Katz أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2024 بعد الجولة الرابعة من الضربات الجوية الإسرائيلية ضدّ الحوثيين التي بدأت منذ تموز/ يوليو: "سنطارد جميع قادة الحوثيين، وسنضربهم تماماً كما فعلنا في أماكن أخرى". 

يُشكِّل الحوثيون تحدياً أمنياً فريداً لإسرائيل؛ بسبب بُعدهم الجغرافي، ونقص المعلومات الاستخباراتية عن الجماعة، الأمر الذي يجعل الغارات الجوية الانتقامية لا تؤدي إلّا إلى تعزيز الدعم الداخلي للجماعة، مع تأثير محدود على وقف الهجمات، وقد فشل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة أيضاً في كبح استفزازات الحوثيين ضدّ سفن الشحن البحري العالمي، كما فشل تحالُف تقوده السعودية في ردع الجماعة المتمركزة في واحدة من أفقر دول العالم، حيث لم يتمكن ذلك التحالف من القضاء على الحوثيين . 

منذ أن قامت إسرائيل بإبرام اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله اللبناني أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 أصبح الحوثيون التحدي الأمني الرئيسي لإسرائيل في مواجهتها التي استمرت 15 شهراً مع الجماعات الوكيلة لإيران، والتي بدأت بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023؛ ففي الأسابيع الماضية، استمر الحوثيون في شنّ هجمات صاروخية شِبه يومية على إسرائيل . 

قد يقول بعض المتخصصين الأمنيين، وذلك تحت ضغوط متزايدة للردّ، بأن على إسرائيل أن تتجاهل الحوثيين في الوقت الحالي وتركز بدلاً من ذلك على راعيتهم، التهديد الإستراتيجي الطويل الأمد لإسرائيل، وهو إيران. بيني غانتس  Benny Gantz ، وهو وزير دفاع سابق في الحكومة الإسرائيلية، وشخصية معارِضة بارزة، يقول في مؤتمر صحافي نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2024: "لمواجهة الإرهاب القادم من اليمن، علينا ضرب طهران". 

وأكد غانتس أن إسرائيل لديها الآن فرصة "لتغيير إستراتيجي" ضد إيران بمواجهتها مباشرة، في حين أن الجماعات الوكيلة التي زرعتها إيران في المنطقة قد خمدت إلى حدّ كبير، والدفاعات الجوية الإيرانية ضَعُفَت جرّاء الغارات الجوية الإسرائيلية . 

الذين يعتقدون أن على إسرائيل أن تضرب إيران يقولون: إنَّ ذلك قد لا يوقف هجمات الحوثيين بشكل كامل، ولكنه سوف يُضعف الجماعة ويُعزِّز الهدف الإستراتيجي طويل الأمد لإسرائيل، المتمثل في منع إيران من إتمام بناء برنامجها النووي، فضلاً عن أنها معرَّضة للخطر أكثر من أي وقت مضى، كما يقول يوئيل غوزانسكي  Yoel Guzansky ، الخبير السابق في شؤون الخليج في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي والذي يعمل الآن في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب. 

يؤكد غوزانسكي أنه تم ردع الجماعات التابعة لإيران التي زرعتها في المنطقة من شنّ الهجمات على إسرائيل إلى حدّ كبير، في حين تم تعطيل الدفاعات الجوية الإيرانية بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية التي شنتها في تشرين الأول/ أكتوبر، وعلى إسرائيل أن تستغلّ هذه الفرصة قبل أن تتمكن إيران وحلفاؤها من استعادة قوتهم. 

ويقول محللون أمنيون إن رد إيران على الهجوم من شأنه أن يوفر غطاء لإسرائيل لشنّ هجوم جديد على إيران، وربما على مواقعها النووية. وبعد أحدث هجماتها في اليمن أواخر كانون الأول/ ديسمبر 2024، وصف الجيش الإسرائيلي الحوثيين بأنهم "جماعة إرهابية مستقلة" تعتمد على التعاون والتمويل الإيراني لتنفيذ الهجمات. 

يقول بعض المحللين إن الخيار الأفضل لإسرائيل لحلّ طويل الأمد للمشكلة التي يفرضها الحوثيون قد يكون التركيز على بناء تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة مع دول الخليج التي يهددها أيضاً عدوان الحوثيين المتزايد، بما في ذلك السعودية والإمارات، وقد يتطلب هذا من إسرائيل تقديم تنازُلات صعبة مع الفلسطينيين، لكن ألون بينكاس  Alon Pinkas وهو دبلوماسي إسرائيلي كبير سابق، قال: "بالتصرف بمفردها مع الحوثيين، الذين عرقلوا التجارة الدولية من خلال مهاجمة السفن في البحر الأحمر، تخاطر إسرائيل بتحويل تلك المشكلة الدولية التي تهم كل دول العالم إلى مشكلة إسرائيلية، وتتحمل بذلك وحدها مسؤولية شنّ الهجمات عليها" . 

الواقع هو أن العديد من الحكومات الأخرى تسعى إلى التخلص من القيادات الحوثية لتأمين معاقلهم المُطلة على ممرات الشحن في البحر الأحمر، حيث ترغب السعودية في التخلص منهم، كما دعا مؤخراً مسؤولون من الحكومة اليمنية المعترَف بها دولياً والتي تسيطر على معظم أراضي البلاد، إلى تحالف بقيادة الولايات المتحدة يستهدف أيضاً الجماعة المتمردة لقتل قيادتها، كما تعرضت مصر لضربة اقتصادية كبيرة بسبب تراجُع التجارة عَبْر البحر الأحمر . 

يسيطر الحوثيون على جزء صغير من اليمن شمال غربي البلاد؛ لكن كثافته السكانية كبيرة، وقد أعربت قيادة الجماعة بالفعل عن قلقها من التهديدات الإسرائيلية، واتخذت احتياطات مثل بناء مجمعات قيادة تحت الأرض، وتجنُّب استخدام الهواتف المحمولة، وتغيير مواقع الاختباء والتحرُّكات، وفقاً لشخص مُطَّلِع على تفكير الحوثيين . 

يَكثر النقاشُ حول ما يجب فعله تجاه الحوثيين، حيث يتم إعادة أفكار سابقة حول ما إذا كان ينبغي ضرب إيران بشكل مباشر أو التعامل مع وكلائها، مثل حماس وحزب الله، وقد اختارت إسرائيل ضرب هذه الجماعات بشكل مستقل مع تجنُّب مواجهة أكبر مع إيران، ويقول يولي إدلشتاين  Yuli Edelstein ، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في البرلمان الإسرائيلي، في مقابلة: "إن البلاد تتجه نحو نهج مماثل تجاه الحوثيين". 

وأضاف إدلشتاين: "الجميع يدركون أن مهاجمة إيران ستُضعف الحوثيين، لكن هذه الجماعة لن تختفي بالكامل باستهداف إيران"، وزعم مسؤول إسرائيلي أن إسرائيل بحاجة إلى التمييز بين التهديد المباشر الذي تُشكِّله هجمات الحوثيين والتهديد الإستراتيجي الأطول أمداً الذي تشكله إيران. وقال المسؤول: "لا توجد صلة بين الأمرين، إنه قرار مختلف تماماً". 

يمكن القول أيضاً إن هناك اعتبارات أخرى، فقد أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن منع إيران من إتمام برنامجها النووي يُشكّل أولوية قُصْوى بالنسبة له، كما حذرت أجهزة الاستخبارات الأمريكية الشهر الماضي من تزايد خطر قيام إيران ببناء سلاح نووي، وقال مسؤولون من الحكومة الإسرائيلية: "إنهم متفائلون بأن الرئيس المنتخَب دونالد ترامب سيكون شريكاً راغباً في هذا الجهد"، على الرغم من أن المحللين يقولون: "إن الإدارة القادمة من المرجَّح أن تستنفد الخيارات الأخرى قبل اللجوء إلى القوة". 

تحاول إسرائيل تعزيز جمع المعلومات الاستخبارية لتتمكن من استهداف قادة الحوثيين، وفقاً لما قاله مسؤول إسرائيلي، ورغم أن الهجمات الإسرائيلية المستمرة على الحوثيين قد لا تمنع ضرباتهم الصاروخية، إلا أنها تبعث برسالة إلى بقية المنطقة بأن محاولة استهداف إسرائيل ستترتب عليها تكلفة باهظة، حسبما قال أفنير غولوف   Avner Golov ، المدير السابق في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي والذي يشغل الآن منصب نائب رئيس في مجموعة MIND Israel  الاستشارية . 

وأضاف: "من المهم أن تواصل إسرائيل الضربات بشكل متكرر لتوضح للناس أننا لن نتعايش مع ذلك " . 



ترجمة: عبد الحميد فحام

المصدر: (صحيفة وول ستريت جورنال)