نظرة تقييمية على الحرب الروسية الأوكرانية مع دخولها عامها الثالث

نظرة تقييمية على الحرب الروسية الأوكرانية مع دخولها عامها الثالث

2024-02-23
1935 مشاهدة
Download PDF


الملخص:

تستمر الحرب الروسية الأوكرانية لتدخل عامها الثالث، في الوقت الذي لم يحقق الجيش الروسي الأهداف التي أعلنها الكرملين في بداية الغزو، ويقوم بتنفيذ العمليات القتالية الرئيسية في منطقة الدونباس وجنوب أوكرانيا.

وقد التزمت المملكة المتحدة منذ البداية بمساعدة كييف، وفي سابقةٍ وقَّعت مع أوكرانيا اتفاق التعاوُن في مجال الأمن وتبادُل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري وصناعة الدفاع وهي سارية حتى انضمام أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي، وبالإضافة إلى ذلك أعلنت المملكة المتحدة عن أكبر حزمة من المساعدات الدفاعية لأوكرانيا منذ بداية الحرب، وقد تبعتها كل من فرنسا وألمانيا بعقد اتفاقات مشابهة.

وعلى مدى العامين الماضيين، تلقت أوكرانيا دعماً اقتصادياً وعسكرياً كبيراً من الاتحاد الأوروبي، ورغم التزام الاتحاد الأوروبي بتقديم المساعدات المالية والإنسانية والعسكرية السابق، يعتمد استمرار هذا الالتزام على الانتخابات المحلية والبرلمانية الأوروبية واحتمال صعود الشعبويين.

لقد أدت الولايات المتحدة دور القائد والمحرك للتحالُف عَبْر الأطلسي في مواجهة بوتين، ولكن ليس من المؤكد أن هذا الوضع سيستمر بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024، وهناك بالفعل إشارات مثيرة للقلق من المعسكر المؤيد لترامب حول احتمال حدوث مثل هذا السيناريو، لذلك حتى في ظل ظروف التعاون الوثيق بين أوروبا والولايات المتحدة في حلّ القضايا العسكرية والأمنية، لا يمكن استبعاد السيناريو السلبي الذي ينخفض فيه الدعم العسكري لأوكرانيا من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل كبير.

لقد تدهور الوضع على خطّ المواجهة في أوكرانيا بشكل كبير، وبعد الهجوم الأوكراني في الجنوب، أخذت القوات الروسية زمام المبادرة، وتحاول التقدُّم في عدة اتجاهات دفعة واحدة، رغم سُوء الأحوال الجويةـ ولقد أضحت خطوط الجبهات في حالة الجمود، ومن غير المرجَّح أن يتمكن أي من البلدين من تحقيق أي اختراق، وموسكو وكييف غير مهتمتين حالياً بالمفاوضات لإنهاء الحرب أو حتى الصراع المجمَّد، وسوف تستمر الأعمال القتالية لفترة طويلة غالباً.

تمهيد:

في 24 شباط/ فبراير 2022، هاجمت روسيا أوكرانيا برّاً وجوّاً على طول الحدود المشتركة، وتم استخدام أراضي بيلاروسيا لغزو منطقة كييف بهدف الاستيلاء على العاصمة، وفي الجنوب، احتل الجيش الروسي جزءاً من منطقتَيْ زاباروجيا وخيرسون، وفي الشمال مناطق في خاركوف وسومي وتشيرنيهيف، ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغزو واسع النطاق بأنه "عملية خاصة". في البداية تم تعريف هدفها بأنه "تجريد السلاح ونزع النازية"، في وقت لاحق "حماية دونباس"، وكانت التصريحات الروسية أنها عملية سريعة لن تتعدى الأسبوع، وفي أيلول/ سبتمبر وأوائل تشرين الأول/ أكتوبر، حاولت روسيا ضمّ مناطق زاباروجيا وخيرسون ودونيتسك ولوهانسك المحتلة جزئياً، وقد أعلنت أوكرانيا والغرب أن هذه الإجراءات غير قانونية، وفي 12 تشرين الأول/ أكتوبر، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار[1] يدين محاولة روسيا ضمّ الأراضي المحتلة في أوكرانيا.

تحت تأثير هذه الحرب، تجري تغييرات جوهرية في الوضع الأمني والعسكري والسياسي في أوروبا والشرق الأوسط والعالم، وفي المقام الأول من الأهمية، تكاد أوكرانيا وقواتها المسلحة تشكل العقبة الوحيدة التي لا يمكن التغلب عليها أمام التوسُّع العسكري الروسي في أوروبا ومناطق أخرى. لكن يجب أن نعترف بأن أوكرانيا، بالتزامن مع الهجوم، مارست إستراتيجية إضافية، وهي الضربات المستهدفة على المنشآت العسكرية الروسية. تدربت بقدر ما كان لديها ما يكفي من القوة والأسلحة، وبنجاح كبير، وكانت النتيجة إزاحة أسطول البحر الأسود الروسي من شِبه جزيرة القرم وإطلاق ممرّ نقل بحري لتصدير الحبوب والسلع الأخرى من أوكرانيا، ورفعت أوكرانيا دعوى قضائية ضد روسيا في لاهاي، في 16 آذار/ مارس، وأصدرت محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة قراراً مؤقتاً، أمرت فيه روسيا بوقف الأعمال العدائية في أوكرانيا، ولم يَرُدّ الكرملين، وتُجري المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي دعوى منفصلة بشأن جرائم الحرب التي ارتكبتها روسيا في أوكرانيا، وفي 17 آذار/ مارس 2023 أصدر قضاة المحكمة الجنائية الدولية أمراً بالقبض على الرئيس الروسي بوتين.

وعلى هذا فإن العدوان المسلح الذي تشنه روسيا يُشكِّل أهمية وجودية بالنسبة لأوكرانيا، وقد أثبتت الهياكل الأمنية العالمية والإقليمية، ولا سيما الأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، أنها غير قادرة على وقفها بالوسائل السياسية والدبلوماسية واستعادة السلامة الإقليمية لأوكرانيا داخل الحدود المعترَف بها دولياً، ولذلك فإن أوكرانيا مضطرة إلى القيام بذلك بالوسائل العسكرية.

أولاً- عامان من الهزائم والانتصارات:

قرر الكرملين في كانون الثاني/ يناير 2023 زيادة عدد القوات المسلحة إلى 1.5 مليون جندي في السنوات الثلاث المقبلة، وتم تسريع تعبئة مئات الآلاف من المواطنين للخدمة العسكرية، فيما يتجه الاقتصاد الروسي نحو العسكرة، وتعمل شركات المجمع الصناعي العسكري على مدار الساعة، ويتم أيضاً تعويض الخسائر الكبيرة في المعدات والذخائر عن طريق شرائها من كوريا الشمالية وإيران ودول أخرى.

لقد راهنت روسيا على شنّ حرب استنزاف طويلة على أوكرانيا، بالنسبة لقادتها، لا يبدو مهماً المدة التي ستستغرقها وما الخسائر البشرية التي سيتعين دفعها، وتعمل على تحقيق أهدافها، بخلق ميزة عددية كبيرة للقوات المسلحة الروسية، والآن أصبح عدد قواتها في أوكرانيا أكبر ثلاثَ مرات مما كان عليه في شباط/ فبراير 2022 عند بداية الحرب.

بعد استعادة الأوكرانيين منطقة كييف من القوات الروسية، تم في مدن بوتشا وإربين وهوستوميل وقرى المنطقة، اكتشاف وقائع القتل الجماعي والتعذيب والاغتصاب للمدنيين، بما في ذلك الأطفال، وأعلنت السلطات الأوكرانية أن روسيا ترتكب إبادة جماعية، وتشارك الدول الغربية في التأكد من حقائق جرائم القتل الجماعي والتحقيق فيها، فيما ترفض روسيا الاتهامات بارتكاب جرائم حرب[2]، وفي وقت لاحق، بدأ اكتشاف حقائق التعذيب والقتل للمواطنين الأوكرانيين في جميع المناطق السكنية التي تم استعادتها من الروس تقريباً في مقاطعات تشيرنيهيف وخاركيف وخيرسون، وحاولت موسكو تعويض هزائمها على أرض المعركة في شتاء عام 2022 من خلال تنفيذ هجمات جوية واسعة النطاق على المؤسسات المدنية ومؤسسات إمدادات الكهرباء والتدفئة والمياه ومستودعات المواد الغذائية والوقود ومواد التشحيم ومحطات السكك الحديدية والمؤسسات التعليمية والطبية وغيرها من المشاريع الحيوية للبِنْية التحتية في أوكرانيا.

وفي عام 2023 دخلت أوكرانيا موجة من التفاؤُل المنضبط بعد العمليات الناجحة لتحرير منطقة خاركيف وخيرسون، والحديث عن هجوم أوكراني معاكس واسع.

خلال عام من القتال العنيف، لم يتمكن أي من الطرفين من اختراق دفاعات الآخر، اضطر القائد العامّ للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني في نهاية الخريف إلى الإعلان عن الانتقال إلى "الحرب الموضعية". ومع ذلك خلال عام 2023 يمكن لكِلا الجانبين تسجيل ثلاث عمليات ناجحة على الأقل والعديد من العمليات الفاشلة على الجبهة، حتى الآن تمت استعادة حوالَيْ 50 بالمئة من الأراضي التي احتلتها روسيا في بداية عدوانها، وتم تقليص طول خطّ المواجهة النشط من 1500 كيلومتر إلى 1200 كيلومتر.

وبمساعدة الشركاء الغربيين، تم تعزيز نظام الدفاع الجوي في كييف والمراكز الإدارية والثقافية الأخرى ومرافق البِنْية التحتية الحيوية ومجموعات قوات الدفاع بشكل كبير، واضطرت موسكو -بسبب فقدان أكثر من 600 طائرة مقاتلة ومروحية- إلى التخلي عن استخدام الطيران المأهول فوق الأراضي الخاضعة لسيطرة أوكرانيا، على الرغم من ذلك فإنها تحافظ على الهيمنة في الجو، مما يُعقِّد بشكل كبير حركة القوات المسلحة الأوكرانية.

1- انتصارات أوكرانيا:

فتح البحر الأسود:

أطلقت روسيا عملية إغلاق المياه الإقليمية الأوكرانية في البحر الأسود قبل أسابيع قليلة من الغزو الشامل في شباط/ فبراير 2022. ومع بداية العدوان أصبح الوضع أكثر تعقيداً، وتعرضت الموانئ والسفن التجارية والعسكرية لضربات مدمرة بالصواريخ والطائرات المسيَّرة الروسية، وتوقف التصدير البحري للمنتَجات من أوكرانيا، وخاصة الحبوب.

وفي صيف عام 2022، تم رفع الحظر عنه، مما أدى إلى إنشاء "ممرّ آمِن" في البحر الأسود، وتم إبرام الاتفاق مع روسيا بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، لكنها استمرت سنة واحدة فقط، وفي تموز/ يوليو 2023، أعلنت السلطات الروسية انسحابها من الاتفاقيات[3]، وهددت بمهاجمة جميع السفن المتجهة إلى الموانئ الأوكرانية.

لقد تُركت أوكرانيا وحدها مع هذه المشكلة، وتم العثور على الطريق للخروج، وأجبرت ضرباتُ المسيَّرات البحرية على السفن الروسية والصواريخ على مقر أسطول البحر الأسود في سيفاستوبول، الكرملين على تقليل شهيته في هذه المنطقة، وقد أُلحقت هزيمة كبيرة بروسيا في البحر الأسود وتغير ميزان القُوَى فيه، دمرت أوكرانيا التي لا تملك قوة بحرية، 15 سفينة تابعة لأسطول البحر الأسود الروسي، بما فيها طَرَّادها الرئيسي - الطَّرَّاد "موسكو"، وألحقت أضراراً بـ 12 سفينة أخرى، واضطر الكرملين إلى نقل فلوله من سيفاستوبول، بعيداً عن شِبه جزيرة القرم، إلى الشرق، إلى نوفوروسيسك وتوابسي.

تم إنشاء لواء من المسيَّرات البحرية السطحية وتحت الماء في القوات المسلحة الأوكرانية، مما ساهم بشكل كبير في هذه الهزيمة، جنباً إلى جنب مع الصواريخ الأوكرانية المضادة للسفن "نبتون". لقد أدى ذلك لاستعادة حركة السفن المدنية على طول ممرّ الحبوب البحري إلى موانئ أوديسا وتشورنومورسك وبيفديني، والتي كان الأسطول الروسي قد منعها سابقاً، وخلال شهرَيْ تشرين الأول/ أكتوبر وتشرين الثاني/ نوفمبر 2023، قامت أكثر من 115 سفينة شحن بنقل أكثر من 4.4 مليون طن من المنتجات الزراعية والمعدنية عَبْر هذا الممر، وأفاد نائب رئيس الوزراء الأوكراني أولكسندر كوبراكوف[4] بأن 302 سفينة صدَّرت ما يقرب من 10 ملايين طن من المنتجات مرت عَبْر هذا الممر الآمِن خلال 4 أشهر، وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن هذه المؤشرات لا تزال بعيدة عن مستويات ما قبل الحرب، لكنها دليل على أن "الهيمنة الكاملة للأسطول الروسي" في البحر الأسود قد انتهت.

الهجوم على سيفاستوبول ومقر أسطول البحر الأسود الروسي:

في أوائل خريف 2023، قدم أحد كبار المسؤولين في الحكومة الأوكرانية تنبؤاً جريئاً أنه بحلول نهاية العام سيهرب أسطول البحر الأسود الروسي من شِبه جزيرة القرم، في ذلك الوقت، بدا الأمر وكأنه خيال أو غطرسة، لكن الوقت أظهر أن هذا هو بالضبط ما حدث، وتُظهر صور الأقمار الصناعية التي نُشرت في كانون الأول/ ديسمبر أن روسيا نقلت معظم سفنها الحديثة التي تحمل صواريخ كاليبر من شِبه جزيرة القرم إلى نوفوروسيسك[5]، على بُعد حوالَيْ 600 كيلومتر من ساحل أوديسا.

هزيمة القوات الروسية بالقرب من فوغليدار، وتحرير روبوتيني وكليششيفكا:

في نهاية كانون الثاني/ يناير وبداية شباط/ فبراير 2023، بدأ الجيش الروسي، بعد أن تعافى من الهزائم المؤلمة في منطقة خاركيف ومنطقة خيرسون، إجراء عملياته الهجومية القوية، وقد نجح بالقرب من باخموت وسوليدار، ولكن هُزم في جنوب منطقة دونيتسك، بالقرب من بلدة فوجليدار، ودمر الأوكرانيون الذين تمركزوا في المنطقة نفسها، عدة مجموعات من الدبابات الروسية، وقامت القوات الروسية، التي كانت ممثَّلة بشكل رئيسي هناك من قِبل مشاة البحرية التابعة لأسطول المحيط الهادئ، بعدد من المحاولات لاقتحام المدينة عَبْر التضاريس المفتوحة، ولكن في كل مرة تعرضوا فيها لإطلاق نار من القوات المسلحة الأوكرانية أو اصطدموا بحقول الألغام. في 29 كانون الثاني/ يناير، نشرت مشاة البحرية في روسيا نداءً عاطفياً إلى حاكم منطقة بريمورسكي (حيث يتمركز اللواء 155)، معلنة عن خسائر فادحة[6].

بحلول بداية الربيع، لم تسفر الهجمات الروسية عن شيء، وأوكرانيا وفقاً للوصف المناسب لصحيفة نيويورك تايمز، انتصرت في "أكبر معركة دبابات" في هذه الحرب[7]، وحققت القوات المسلحة الأوكرانية انتصارين آخرين في ساحة المعركة كجزء من الهجوم المضاد، عند تقاطُع منطقتَيْ زاباروجيا ودونيتسك، تمكن الأوكرانيون من قطع حافة فريمييفسكي بالقرب من بلدة فيليكا نوفوسيلكا، وكذلك اختراق الخط الأول من تحصينات الدفاع الروسية بالقرب من قرية روبوتين، ومع ذلك، استغرقت هذه العمليات الكثير من الوقت والموارد في القوات المسلحة، مما حال دون تحقيق المزيد من النجاح في اتجاه مدينتَيْ بيرديانسك وميليتوبول المحتلتين. كما تمكنت القوات الأوكرانية من تحرير قريتَيْ كليششيفكا وأندرييفكا بعد قتال عنيف، وجد الجيش الروسي نفسه هنا في موقف صعب، حيث كان يخاطر بخسارة أحد الشرايين اللوجستية بين باخموت وهورليفكا.

وفي نهاية العام، تمكنت القوات الروسية من التحوُّل من الدفاع إلى الهجوم في هذه المناطق، في محاولة لتحييد نجاحات الهجوم المضادّ الأوكراني، وإنْ كانت متواضعة.

رأس جسر في منطقة خيرسون:

في خريف 2023، لم يتمكن الجيش الأوكراني من عبور نهر دنيبرو بنجاح فحَسْبُ، بل تمكن أيضاً من إنشاء رأس جسر على الشاطئ المحتل لمنطقة خيرسون، وفي منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، أكدت السلطات الأوكرانية معلومات تم تداوُلها على شبكات التواصل الاجتماعي الروسية والأوكرانية منذ بعض الوقت، يتعلق الأمر بحقيقة أن القوات المسلحة تمكنت من الاستيلاء على رأس جسر على الضفة اليسرى لمنطقة خيرسون[8]، وظهرت من قبلُ تقارير تفيد بأن المقاتلين الأوكرانيين يعبرون نهر دنيبرو بشكل دوري، ويقيمون مواقع على الضفة التي يحتلها الروس، ومع ذلك بدت هذه في الغالب وكأنها عمليات تخريب أو استطلاع قصيرة المدى، لكن إنشاء رأس جسر تكتيكي هو مستوى آخر تماماً، لا عجب في العلوم العسكرية أن يُعتبر اختراق حاجز مائي والاستيلاء على مواقع على شاطئ العدو من أصعب العمليات.

يبدو الأمر أكثر أهمية إذا أخذت في الاعتبار الظروف التي تمكن الجيش الأوكراني من تنفيذها: بدون غطاء جوي، بدون أسطول نهري قوي، بدون تفوُّق تكنولوجي، بدون توجيه المعابر العائمة، فيما يصف الرئيس الروسي، فولوديمير بوتين، رأس الجسر هذا بأنه "فخّ" للأوكرانيين، وتكتب وسائل الإعلام الغربية عن "القرارات الانتحارية" للقيادة الأوكرانية، ومع ذلك تُواصِل أوكرانيا الاحتفاظ بهذه القطعة الصغيرة من الأرض على ضفة نهر الدنيبر، متوقِّعة على ما يبدو انتظار اللحظة المناسبة لتوسيع رأس الجسر والتقدُّم بسرعة في عُمق منطقة خيرسون المحتلة.

انتصار على المستوى السياسي:

في ذروة الحرب الروسية الأوكرانية، في حزيران/ يونيو 2022، حصلت أوكرانيا على وضع المرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي، وتم استكمال اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، والتي تم تنفيذها منذ عام 2014، ببند بشأن مستقبل الاتحاد الأوروبي[9]، وكان مثل هذا القرار بمثابة مظهر من مظاهر تضامُن المجتمع الأوروبي مع أوكرانيا في "نضالها من أجل القِيَم الأوروبية وسيادة الدولة"، ومن أجل المضيّ قُدُماً على طريق التكامل الأوروبي، نصت خطة عمل الحكومة لعام 2023 على البَدْء في فتح المفاوضات بشأن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن اعتماد عدد من مشاريع القوانين، وتنفيذ الخُطُوات العملية للاندماج في نظام السوق الداخلية للاتحاد الأوروبي.

2- هزائم أوكرانيا

فشل الهجوم المضادّ:

في حزيران/ يونيو 2023، اضطرت القوات المسلحة الأوكرانية إلى شنّ هجوم مضادّ في الجنوب في اتجاه ميليتوبول من أجل إغلاق الممر البري من روسيا إلى شِبه جزيرة القرم المحتلة وخروجها إلى ساحل بحر آزوف، وكان ذلك متوقعاً إلى حد كبير في الغرب ومن قِبل البعض داخل أوكرانيا، على أمل استكماله بسهولة وسرعة، على غرار الهجوم الذي وقع عام 2022 في منطقة خاركيف، في الوقت نفسه لم تُؤخَذ في الاعتبار الظروف المختلفة والصعبة للغاية التي كان من المقرر أن يتم فيها تنفيذ هذا الهجوم المضادّ.

منذ الإعلان عن مثل هذه الإجراءات التي اتخذتها القوات المسلحة الأوكرانية علناً في شتاء عام 2022، تمكنت القوات الروسية من بناء دفاع عالي المستوى في عدة خطوط يصل عرضها إلى 40 كم في مناطق منفصلة في ستة أشهر. تم حفر الخنادق والخنادق المضادة للدبابات وتركيب المرابض المضادة للدبابات وإنشاء نقاط إطلاق النار للمعدات ومواقع للمدفعية وإنشاء العديد من حقول الألغام الكثيفة وما إلى ذلك، وفي الأيام الأولى من الهجوم الأوكراني، عززت روسيا هيمنتها في الجوّ، بالإضافة إلى ذلك، وفقاً لتقديرات بعض الخبراء العسكريين، يمكن للقوات الأوكرانية تنفيذ هجوم مضادّ مع وجود هيمنة محلية على الأقل في الجوّ في الاتجاه المحدد، وعلى الأقل ميزة ثلاثة أضعاف في عدد الأفراد، وعدد الدبابات والمدفعية ووجود الاحتياطيات المناسبة لتطويرها وما إلى ذلك. كل هذا –للأسف- لم يحدث.

في كانون الأول/ ديسمبر 2022، طلبت قيادة القوات المسلحة الأوكرانية من الشركاء300  دبابة و600-700 مركبة قتال مشاة و500 مدفع هاوتزر[10]. وكانت هذه الأرقام ذات صلة بالتحديد في تلك الفترة القصيرة من الزمن، وفقط في صيف عام 2023، تم تسلُّم 100 دبابة فقط، وحوالَيْ 200-300 مركبة قتال مشاة (بما في ذلك ستيكرز ذات العجلات) و150-200 وحدة من مدافع الهاوتزر عيار 155 ملم. ولم يكن هناك حديث عن طائرات "إف 16" على الإطلاق، ونتيجة لذلك، بقيت الهيمنة في الجو للروس، وفي غياب التفوُّق الضروري في الأفراد والمركبات المدرعة والمدفعية، فإن الإجراءات الهجومية المضادّة ضدّ الدفاع الموضعي القوي لروسيا بحقول الألغام الكثيفة على تضاريس السهول المفتوحة كانت بطيئة للغاية، مع خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات من القوات المسلحة الأوكرانية. وعلى الرغم من كل هذا، واصلت القوات الأوكرانية هجومها في اتجاه ميليتوبول، لقد استولوا على رأس جسر على الضفة اليسرى لنهر الدنيبر ويسيطرون عليه، وهم يتقدمون خُطوة بخُطوة نحو تجريد شِبه جزيرة القرم من السلاح.

إن حقيقة أن الهجوم الأوكراني لم يحقق أهدافه أصبحت الآن معترَفاً بها من قِبل القيادة العسكرية والسياسية في أوكرانيا[11]. وفقاً لفاليري زالوجني أظهرت الحسابات الأولية أن القوات المسلحة ستكون قادرة على تحقيق اختراق عميق والوصول إلى ساحل آزوف، لكن تبين أن الوضع على الأرض مختلف، في الواقع، بدلاً من اختراق مسافة 80 كم، تمكنت القوات الأوكرانية من اختراق التلال على بُعد حوالَيْ 15-17 كم فقط بالقرب من روبوتيني، استقر المقاتلون على الخط الثاني للدفاع الروسي بالقرب من توكماك، ولم يتمكنوا من التغلب عليه حتى بداية الطقس السيئ في الخريف، وقد تم إعاقة ذلك أيضاً بسبب عدم وجود احتياطيات جاهزة، ونقص التفوُّق الجوي، ونقص مُعَدّات الدفاع الجوي وآلات إزالة الألغام، وبالإضافة إلى ذلك، كان الأوكرانيون يفتقرون إلى الأسلحة بعيدة المدى، كما تم توفير الذخائر العنقودية التي أرسلتها الولايات المتحدة بعد فوات الأوان وبكميات صغيرة للغاية.

فقدان باخموت

يعلن يفغيني بريغوجين[12]، المُحاط بمقاتلي "فاغنر"، الاستيلاء على باخموت في 20 أيار/ مايو 2023. واستمرت "مفرمة لحم باخموت"، كما أطلق الطرفان على الأحداث المحيطة بهذه المدينة، قُرابة 8 أشهر. وبالعودة إلى خريف عام 2022، بدأت مفارز مرتزقة تابعة لقوات "فاغنر" العسكرية الخاصة في الاقتراب من ضواحي باخموت.

في كانون الثاني/ يناير 2023، تمكنوا من العثور على نقطة ضعف واختراق الدفاع الأوكراني في سوليدار، وبعد ذلك دخلت "مجزرة باخموت" مرحلة حاسمة، سيطر الأوكرانيون على المدينة لمدة 4 أشهر تقريباً، حيث كانوا شِبه محاصَرين. في الواقع لم يتبقَّ سوى طريق واحد لإمداد حامية القوات المسلحة، والذي كان تحت النيران الروسية. وفي شهرَيْ آذار/ مارس ونيسان/ إبريل، شقت "فاغنر" طريقها إلى الأحياء السكنية في باخموت، وانتقلت الحرب إلى المدينة، تم تدمير المدينة عملياً بشكلٍ كامل بسبب القصف المدفعي والجوي الروسي المستمر، وفي مثل هذه الظروف، اضطر الجيش الأوكراني إلى التراجُع تدريجياً إلى الضواحي الغربية للمدينة.

تُعتبَر معركة باخموت هزيمة لأوكرانيا، ليس فقط لأن الجيش اضطر في نهاية المطاف إلى مغادرة المدينة الصناعية الكبيرة، ولكن أيضاً لأن السؤال الذي يطرح نفسه حول جدوى الدفاع عنها على المدى الطويل، وبحسب وسائل الإعلام الغربية، فإن فكرة الاحتفاظ بـ "قلعة باخموت" حتى النهاية تعود إلى زيلينسكي، وقد عارضها الجنرال زالوجنيي.

خسارة أفدييفكا

في 10 تشرين الأول/ أكتوبر2023 شنّ الجيش الروسي هجوماً قوياً على أفدييفكا، المدينة التي تبعد 10 كيلومترات عن دونيتسك، وشنت الأرتال المدرعة هجمات متزامنة على الأجنحة الجنوبية والشرقية والشمالية، وبحسب تقديرات القيادة الأوكرانية، شارك في العملية ما بين 40 إلى 50 ألف عسكري، وتم تعزيزها بالمدفعية والقوات المدرعة والطيران، وعلى الرغم من هذه الموارد الكبيرة، لا يمكن وصف التقدم الذي أحرزته روسيا على جوانب أفدييفكا بأنه سريع. خلال ما يقرب من شهرين من العملية، تمكن الروس من التقدُّم بضعة كيلومترات فقط، وعبور الخطّ الدفاعي (وهو خطّ سكة حديد في الشمال) والاستيلاء على جزء من أفدييفكا في الشرق، ووَفْقاً للخبراء الغربيين، تمكنت القوات الروسية من الاستيلاء على ما يقرب من 11 كيلومتراً مربعاً من الأراضي، وفقدت 13 ألف جندي ومئات القطع من المعدات، لكن الحامية الأوكرانية في أفدييفكا لا تزال أيضاً في وضع صعب، تم تدمير الهدف الرئيسي للدفاع عن القوات المسلحة الأوكرانية، مصنع فحم الكوك الكيميائي المحلي تقريباً، واقترب الجيش الروسي من أراضيه، ويستمر القتال العنيف في قرية ستيبوف بالقرب من السكة الحديد شمال غرب أفدييفكا، وإذا استولت روسيا عليها، فسيكون ذلك على بُعد خُطوة واحدة من التطويق الكامل للقوات الأوكرانية وقطع طرق إمدادها، وهو ما أدى بالفعل إلى انسحاب القوات الأوكرانية منها مؤخراً[13]، وفي أفدييفكا كانت خسائر روسيا أكثر بعشر مرات[14] من مناطق أخرى. ويصف المحللون هذه الخسائر بـ"الجنونية"، فمنذ بداية الهجوم، دمرت القوات المسلحة الأوكرانية 531 وحدة من المعدات العسكرية، وفي الوقت نفسه، فقدت أوكرانيا 43 وحدة.

1-2
الشكل رقم 1: خارطة السيطرة حتى تاريخ 6 شباط/ فبراير 2024.

ثانياً- المملكة المتحدة والاتفاق الأمني:

تُعَدّ المملكة المتحدة واحدة من تلك الدول التي لا شك في دعمها لأوكرانيا، وهنالك توافُق داخلي على ذلك. ولا يوجد حزب في البرلمان يدعو إلى خفض المساعدات السياسية والاقتصادية والعسكرية لكييف. وليس من المستغرب أن تكون بريطانيا أول مَن سمح باستخدام أسلحتها ضدّ المنشآت العسكرية داخل أراضي روسيا.

حتى قبل الغزو الروسي، كانت المملكة المتحدة تحتل مكانة خاصة بين شركاء أوكرانيا الغربيين. وفي عام واحد فقط، حصلت على مكانة "الحليف الأول" في مختلف المجالات من الدعم السياسي إلى الدعم العسكري، وأصبحت المملكة المتحدة واحدة من تلك الدول التي دقَّت ناقوس الخطر قبل فترة طويلة من غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا، وكانت البيانات الاستخباراتية لجهاز الأمن البريطاني هي التي أشارت إليها وسائل الإعلام عند الكشف عن الخطط الروسية، وعلى خلفية معلومات من المخابرات الأجنبية ومخاوف الخبراء العسكريين، وصل رئيس الوزراء آنذاك بوريس جونسون إلى كييف في الأول من شباط/ فبراير 2022. وفي الوقت نفسه، حذر من أن الغزو واسع النطاق سيكون بمثابة هزيمة لروسيا[15].

في غضون أيام قليلة، هبطت أولى الطائرات المحملة بالمساعدات العسكرية في مطار بوريسبيل في كييف، حيث كان هناك، بالإضافة إلى المعدات العسكرية والذخيرة، عدة آلاف من قاذفات القنابل المضادة للدبابات التي ساعدت الجيش الأوكراني على إجراء معارك في بداية الغزو، وتدمير الأرتال الروسية. وفي نيسان/ إبريل، زار جونسون كييف مرة أخرى، ليصبح أول مَن زار العاصمة الأوكرانية من بين زعماء الدول السبع الكبرى مباشرة بعد معركة كييف. وأعلن استعداده لتحرير التجارة، ووعد بتعزيز العقوبات ضد روسيا، كما أعرب عن ثقته في انتصار أوكرانيا. كما حذر جونسون خلال زيارته الثالثة والأخيرة كرئيس لوزراء بريطانيا، من التفاوض مع المعتدي، وشدد على أنه "إذا فاز بوتين، فهذا يعني "ضوءاً أخضر" لأي مستبدّ في العالم، وسيعني أن كل شيء يمكن تغييره بالقوة". وأصبح من المعروف أن بريطانيا كانت تساعد أوكرانيا في صدّ الهجمات الإلكترونية الروسية منذ بداية الغزو الروسي. وبدأ فريق من الخبراء البريطانيين في مجال الأمن السيبراني تعزيز حماية المواقع الإلكترونية لمؤسسات الدولة بعد 35 دقيقة من عبور القوات الروسية الحدود، ومنذ ذلك الوقت، وبمساعدتهم، تمكن الجانب الأوكراني من صدّ العديد من الهجمات.

واستمر رئيس الوزراء ريشي سوناك في نهج الدعم غير المحدود بكل المجالات، وتُوج هذا الدعم يوم 12 كانون الثاني/ يناير 2024، حيث وقّعت أوكرانيا والمملكة المتحدة اتفاقية أمنية[16]. وستكون الاتفاقية ذات الصلة سارية حتى تنضمّ أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وقّع الوثيقة التي تحمل عنوان "اتفاق التعاون في مجال الأمن بين أوكرانيا والمملكة المتحدة" رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي ورئيس وزراء المملكة المتحدة ريشي سوناك بعد المفاوضات التي جرت في قصر ماريانسكي في كييف، وكجزء من الاتفاقية، ستتعاون لندن مع كييف في تبادُل المعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري وصناعة الدفاع، بالإضافة إلى ذلك، يُلزم الاتفاق بريطانيا بالتشاور مع أوكرانيا في حالة وقوع هجوم جديد من جانب روسيا وتقديم مساعدة "سريعة ومستمرة". إن الالتزامات الأمنية التي تعهدت بها بريطانيا سوف تظل سارية لمدة عشر سنوات على الأقل حتى انضمام أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت بريطانيا عن أكبر حزمة من المساعدات الدفاعية لأوكرانيا منذ بداية الحرب بقيمة 3 مليارات دولار. وأكد سوناك أن "هذا يعني المزيد من الأمن، وأسلحة مضادة للدبابات، وصواريخ، ومئات الآلاف من قذائف المدفعية الجديدة، وتدريب آلاف الجنود الأوكرانيين".

ويضفي الاتفاق الطابع الرسمي على الترتيبات الأمنية القائمة ويربطها في صفقة واحدة، وهو يضمن أن يكون الدعم لأوكرانيا طويل الأجل، ويُظهر لروسيا تصميم المملكة المتحدة على مواصلة دعم أوكرانيا. إذا حاولت روسيا المضيّ قُدُماً في الهجوم، فستقدم المملكة المتحدة بسرعة لأوكرانيا الدعم الكافي، في الوقت نفسه، لن تضطر أوكرانيا إلى طلب المساعدة من المملكة المتحدة بشكل منفصل. وقد التزمت المملكة المتحدة بالفعل بمساعدة كييف. كما ستساعد أوكرانيا في تطوير صناعتها العسكرية.

ويعتقد نائب رئيس مكتب رئيس أوكرانيا إيهور جوفكفا أن عدد الاتفاقيات الأمنية لأوكرانيا سيزداد في المستقبل القريب، ووَفْقاً له، فقد قام عدد من الدول بالفعل بتسليم نصوص اتفاقيات مماثلة إلى أوكرانيا[17]، وبالفعل تم توقيع اتفاقيات مشابهة مع كل من فرنسا وألمانيا[18].

الإعلان مشابه لإنشاء تحالُف جديد مناهض للنازية أثناء الحرب العالمية الثانية، وتحدد المعاهدة بين الدول الخُطوات الملموسة التي اتخذتها الدول الموقِّعة لمحاربة النازية الروسية. حقيقة أن أول دولة وقَّعت مثل هذا الاتفاق مع أوكرانيا كانت بريطانيا هي رمزية تاريخية كبيرة، كانت بريطانيا هي القاطرة الأيديولوجية للنضال ضد نازية هتلر، الولايات المتحدة بعد أن دخلت اللعبة في وقت لاحق وزوَّدت التحالف المناهض لهتلر بقوة اقتصادية ساحقة. اليوم يعيد التاريخ نفسه: لندن في المقدمة، وواشنطن، المتشابكة قليلاً في المشاكل الداخلية، تتحرك في أعقابها.

لقد كانت هناك محاولات متكررة للتوصل إلى اتفاق مماثل مع الولايات المتحدة ودول غربية مؤثرة أخرى. والآن فقط، وفي ظل ظروف الحرب الشاملة التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، بدأ الغرب أخيراً يدرك أن أوكرانيا تحتاج إلى دعم أمني طويل الأمد والاندماج الحقيقي في الهياكل العالمية المشتركة بين دول العالم الغربي والاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. إن الاتفاقية الأمنية مع بريطانيا ليست مجرد تأكيد على ذلك، بل هي اختراق قانوني دولي حقيقي لأوكرانيا على هذا الطريق، وهو نجاح كبير للدبلوماسية الأوكرانية.

إن الأهمية الإستراتيجية للاتفاقية الأمنية مع بريطانيا تكمن في أنها -إلى جانب اتفاقيات أخرى مماثلة- سوف تضع الأساس لبِنْية أمنية جديدة في أوروبا. إن ضمان الأمن لأوكرانيا يعني أيضاً تشكيل نظام أمني مشترك لأوروبا بأكملها. ولكن لهذا، أولاً وقبل كل شيء، من الضروري وَقْف الحرب الروسية ضد أوكرانيا، ومن ثَمّ كبح روسيا من أعمال العدوان الجديدة، وفي المستقبل أيضاً، سيكون من الضروري إعداد عدد من الاتفاقيات الأمنية القطاعية واتفاقية جماعية جديدة بشأن الأمن والتعاون في أوروبا.

من المرجَّح جداً أن يفوز حزب العمال المُعارِض بالانتخابات في بريطانيا، التي من المقرَّر أنها ستُجرى في كانون الأول/ ديسمبر 2024 وكانون الثاني/ يناير 2025، وهي الأولى منذ خمسة عشر عاماً، إذا وصل حزب العمال إلى السلطة، فلا ينبغي أن نتوقع تغييرات في السياسة تجاه أوكرانيا. أوكرانيا هي الموضوع الوحيد الذي يوحد السياسيين البريطانيين. لقد زار زعيم حزب العمال كير ستارمر أوكرانيا في شباط/ فبراير 2023 وأكد دعمه الثابت، ومع ذلك، لا يمكن استبعاد انخفاض المساعدات المالية لأوكرانيا إذا كانت الحكومة الجديدة ترغب في تخصيص المزيد من الموارد لنفقاتها الاجتماعية.

ثالثاً- الموقف الأوروبي وتأثُّره بالانتخابات:

تسبَّب الغزو الروسي واسع النطاق لأوكرانيا في حدوث تغييرات جيوسياسية في جميع أنحاء الكوكب تقريباً، ويشهد الاتحاد الأوروبي، الذي كان من أوائل الدول التي ساعدت أوكرانيا، تحوُّلات أيضاً، فبعد ثلاثين عاماً من ملاحقة إستراتيجيات النمو الاقتصادي ونزع السلاح والسلام، أدرك الاتحاد الأوروبي أنه من الضروري أن يتعلم لغة القوة. إن الحرب المستمرة في أوكرانيا، والصراع في الشرق الأوسط، والصراعات المجمدة في جورجيا ومولدوفا وناغورني كاراباخ، والنفوذ المتزايد للصين، والانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية، هي التحدِّيَات التي يتعين على أوروبا الاستجابة لها بالفعل.

لم تؤدِّ التوقُّعات المتضخِّمة غير المبرَّرة إلى زيادة خيبة الأمل في المجتمع الأوكراني فحَسْبُ، بل أدت أيضاً إلى زيادة المزاج المتشائم في أوروبا، في نهاية عام 2023، نشر عدد كبير من وسائل الإعلام الغربية الرئيسية مقالات حول مشاكل أوكرانيا في الحرب ضد روسيا. وفي الوقت نفسه، أكدوا على أهمية دعم أوكرانيا في ردع روسيا، التي تحول المساعدة المقدمة إلى كييف إلى استثمار متبادل المنفعة في الأمن، بما في ذلك للولايات المتحدة وأوروبا.

وقد رافق هذه الموجةَ من المعلومات انتقاداتٌ لمبدأ التدرُّج و"الجرعة" لتوفير الأسلحة، الذي مارسه الغرب من أجل تجنُّب التصعيد غير الضروري. كانت نتيجة هذه السياسة بداية مناقشات جادّة في بعض دول الاتحاد الأوروبي، ليس فقط في دول البلطيق وبولندا، ولكن أيضاً في ألمانيا والسويد، حول الحاجة إلى الاستعداد للحرب مع روسيا، على وجه الخصوص، تعتقد برلين أنه يجب عليها الاستعداد للحرب بحلول نهاية العقد. لا يتم التخطيط فقط لإعادة التجهيز العسكري التقني للجيش، ولكن أيضاً يتم النظر في إمكانية استعادة التجنيد الشامل، بما في ذلك النساء، كما هو الحال في إسرائيل، ويجري أيضاً اتخاذ تدابير جادّة في هذا الصدد في إطار منظمة حلف شمال الأطلسي.

تحدث في أوروبا أحداث مُقلِقة؛ فاز في الانتخابات البرلمانية في سلوفاكيا (أيلول/ سبتمبر 2023) حزب شعبوي بقيادة الزعيم الموالي لروسيا روبرت فيكو، وفي الانتخابات العامة في هولندا (تشرين الثاني/ نوفمبر 2023) ، فاز حزب مناهض لأوروبا ومناهض لأوكرانيا، وتشير الدراسات إلى أن مثل هذه الجماعات الشعبوية الأوروبية آخِذة في الارتفاع، وتعارض المساعدات لأوكرانيا، بالإضافة إلى ذلك، ستُجرى الانتخابات في عدد من البلدان في عام 2024، وستحدد نتائجها مستقبل الدعم الأوروبي الإضافي للأوكرانيين.

ومع استعداد الأحزاب المتشككة في أوروبا لتحقيق مكاسب كبيرة، فإن الوسط سوف يخسر الساحة مقارنةً بالتصويت الأخير في عام 2019. لذا فمن المرجَّح أن يكون أداء الحزبين الحاكمين في فرنسا وألمانيا سيئاً بشكل خاص هنا، الأمر الذي يرجح من إضعاف سلطة المستشار الألماني أولاف شولتز والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، كما أنه سيزيد من الانشغال الواضح بالفعل لكِلا الزعيمين بالشؤون الداخلية، وبالإضافة إلى ذلك فإن الحكومات الجديدة غير المثبتة وربما غير المستقرة في الدول الأعضاء الكبرى مثل إسبانيا وبولندا سوف تسعى في الأرجح أيضاً إلى الحصول على أرض مستقطبة خاصة بها.

وبعد انتخابات عام 2023 التي أوصلت الشعبويين الموالين لروسيا إلى السلطة في سلوفاكيا وضمنت فوز اليمين المتطرف في هولندا، من المرجَّح أيضاً أن تكتسب التيارات القومية في الكتلة زخماً، ومن المتوقع أن يفضل الناخبون في النمسا وبلجيكا والبرتغال الأحزاب القومية، ويبدو من المرجَّح على نحو متزايد أن تؤدي استطلاعات الرأي المحلية إلى دفع حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف في ألمانيا إلى مستويات أعلى قبل الانتخابات الوطنية في عام 2025.

وهنا تصبح أوكرانيا رهينة للعديد من الاتجاهات الأوروبية العامة في وقت واحد: صعود الشعبويين بحلولهم "البسيطة والواضحة"، والقلق المتزايد بشأن الهجرة، فضلاً عن رغبة الأوروبيين المتزايدة في الانعزالية، وكثيراً ما يؤدي تدفُّق المهاجرين (ليس فقط من أوكرانيا) والافتقار إلى النمو الاقتصادي الملموس إلى خلق "منصّات انطلاق" للأحزاب الشعبوية، خاصة في أوقات الحروب والتضخم العالمي، وسوف تجعل هذه الحقائق السياسية من الصعب على الدول الأعضاء أن تتفق على مجموعة واسعة من القضايا الموضعية التي يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يواجهها هذا العام، وقد يصبح توحيد الاتحاد الأوروبي لصالح أوكرانيا وضد روسيا أكثر صعوبة من ذي قبل مما يضعف كييف مع استمرار تعثُّر الحرب، وبشكل خاص، فإن توسيع الاتحاد الأوروبي ليشمل أوكرانيا، التي تواجه بالفعل عقبات سياسية، سوف يصبح أكثر صعوبة مع تزايُد وضوح الوعي بما قد يعنيه هذا.

وربما التحدي الأكبر الذي ينتظر أوكرانيا سيكون -بلا شك- ردّ فعل الاتحاد الأوروبي على الفوز المحتمل لرئيس الولايات المتحدة السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024. إن فوز ترامب من شأنه أن يجدد التوتُّرات عَبْر الأطلسي، ويعوق بشكل كبير دعم الغرب لأوكرانيا، ويزيد أيضاً من خطر نشوب حرب تجارية.

يعتزم الاتحاد الأوروبي إجراء مراجعة للأسلحة التي وصلت إلى أوكرانيا منذ الغزو الروسي واسع النطاق، وعرض نتائج التفتيش في عواصم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل قمة قادة الاتحاد الأوروبي في 1 شباط/ فبراير 2024. وشرع مستشار ألمانيا، أولاف شولتس في مراجعة إمدادات الأسلحة والذخائر، وعندما تظهر معلومات حول «التحقق من إمدادات الأسلحة» في أوكرانيا في وسائل الإعلام، يرى الكثيرون مثل هذه الأخبار على أنها خيانة، ومع ذلك نحن نتحدث الآن عن التحقق من كيفية وفاء الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بالتزاماتها بتقديم المساعدة العسكرية التقنية (توريد الأسلحة والذخيرة) إلى أوكرانيا. أي أن هذا ليس فحصاً لأوكرانيا، ولكنه فحص للموردين من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لمعرفة ما إذا كانوا قد تمكنوا من تزويد أوكرانيا بالأسلحة والذخيرة التي تعهدوا بتوفيرها، وَفْقاً للاتفاقيات الموقَّعة، وذكرت وسائل الإعلام أن التدقيق سيستند إلى المواد المقدمة من الدول الأعضاء استجابة لطلبات من دائرة العمل الخارجي الأوروبي، في حين واجهت الخدمة بالفعل مقاومة من بعض الدول التي لا ترغب في تقديم بيانات كاملة.

يسعى المستشار الألماني إلى تشجيع أعضاء الاتحاد الأوروبي على تقديم المساعدة لأوكرانيا بشكل أكثر نشاطاً، وكذلك للإثبات لناخبيه أنه ليس فقط ألمانيا، ولكن الاتحاد الأوروبي بأكمله يشارك في مسألة المساعدة لأوكرانيا (حالياً ألمانيا هي أكبر مزوِّد للمساعدات العسكرية لأوكرانيا بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي).

رابعاً- الولايات المتحدة، ما الذي يمكن أن تُغيِّره الانتخابات؟

يُعقِّد الوضع السياسي الداخلي في الولايات المتحدة بشكل كبير الدعم لأوكرانيا، وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية في تشربن الثاني/ نوفمبر 2024، فقد بدأ السباق الانتخابي يُلقي بظلاله على توقُّعات دعم أوكرانيا. لا تزال واشنطن أكبر مانح للمساعدات العسكرية، والتي إذا توقفت فسيكون من الصعب للغاية تعويضها، مع ذلك تحتفظ أوكرانيا بدعم الحزبين في الكونجرس الأمريكي. إن التأثير المتزايد للجزء المؤيد لترامب من الحزب الجمهوري، والذي ينمو جنباً إلى جنب مع تزايُد شعبية دونالد ترامب، يعقد التصويت على القضية الأوكرانية. إن الجمع بين المساعدات لأوكرانيا والمساعدات لإسرائيل وتايوان لم يحل المشكلة، ونظراً لتعنُّت الجمهوريين الذين شعروا بفرصة للحصول على ورقة رابحة قوية لحملتهم الانتخابية.

مسألة ما إذا كان سيُسمح لترامب بالمشاركة في الانتخابات (حيث لا تزال هناك العديد من الدعاوى القضائية ضده بتهم خطيرة إلى حدّ ما) وما إذا كان سيفوز في هذه الانتخابات لا تزال مفتوحة. إذا حدث هذا فإن الوضع مع الدعم الأمريكي لأوكرانيا سيصبح أكثر تعقيداً بشكل ملاحَظ بدءاً من عام 2025. من المهم ملاحظة أـن نظام الضوابط والتوازُنات في حكومة الولايات المتحدة، والذي تم تطويره وتحسينه لأكثر من عَقْد من الزمان، يحدُّ من قدرات الرئيس على اتخاذ قرارات كبرى مؤثرة على النظام الدولي بمفرده، ولهذا السبب قرر الكونغرس الأمريكي إدراج حظر على الرئيس للانسحاب من الناتو دون موافقة الكونغرس في الميزانية العسكرية لعام 2024[19].

غالباً ما ينتقد المسؤولون في أوكرانيا إدارة بايدن، فلا شك أن هذا الرئيس وفريقه يقفون إلى جانب أوكرانيا، وهذا لا يعتمد فقط على نزوات الرئيس الشخصية، ولكن على فهمه للمصالح الأمريكية. من المؤسف أن بايدن وفريقه بدؤوا يتحدثون بنشاط عن المساعدة لأوكرانيا من خلال منظور أن هذا الدعم يلبي مصالح الولايات المتحدة مؤخراً فقط مع تأخير طويل، وقد أدى ذلك إلى انتشار وجهة النظر المعاكسة في المجتمع الأمريكي. من ناحية أخرى، من غير المرجَّح أن يتغير موقف دونالد ترامب المناهض لأوكرانيا، لا خلال السباق الانتخابي، ولا إذا فاز. هذا الموقف ليس ظرفياً، ولقد كان مُلاحَظاً لسنوات عديدة، على الأقل منذ انتخابات 2016. في هذا السياق، يمكننا أن نتذكر الضغط على كييف في عام 2019 (بما في ذلك منع المساعدات). ومن ناحية أخرى لا تكمن المشكلة في موقف ترامب الشخصي فحَسْبُ، بل أيضاً في شريحة كبيرة من الناخبين الجمهوريين من قاعدته الانتخابية، المشبَّعة بشدة بالسلبية تجاه أوكرانيا، وبالتالي فهي مقتنعة بالحاجة إلى وقف المساعدات، لذلك نحن نواجه عاماً سياسياً في الولايات المتحدة، سيتميز بتعميق الاستقطاب هناك حول مسألة السياسة تجاه أوكرانيا.

لقد كتب محرِّرُو بلومبرج[20] تيريزا رافائيل وروميش راتنيسار أنهم يعتقدون أن عزم الولايات المتحدة وأوروبا يضعف، لكن "خيبة الأمل هذه خاطئة". ويتعين على الغرب أن يستمر في دعم أوكرانيا؛ لأن انتصار روسيا من شأنه أن ينطوي على تكاليف إستراتيجية هائلة، ويضر بأمن الغذاء والطاقة العالميين، ويشجع فلاديمير بوتين على الذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك. ويمكن لقوات الدفاع الأوكرانية أن تستعيد اليد العليا إذا زادت الدول الشريكة من مساعداتها العسكرية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن سحب الدعم لكييف من شأنه أن يقوض مصداقية الغرب ويعرض الدول الديمقراطية للخطر في نهاية المطاف.

خامساً- الجمود والاستنزاف:

إن حالة الجمود هي أفضل وصف لحالة الحرب في أوكرانيا، وما دامت الحرب الروسية ضد أوكرانيا مستمرة، فمن غير المرجَّح أن يتمكن أي من البلدين من تحقيق أي اختراق، لكن هذا لا يعني أنها ستنتهي قريباً، وموسكو وكييف غير مهتمتين بالمفاوضات لإنهاء الحرب أو حتى الصراع المجمَّد، وسوف تستمر الأعمال القتالية لفترة طويلة، وهذا يعني أن المأزق الحالي لا بد أن يؤثر على إستراتيجية الغرب في التعامل مع الصراع، وبدلاً من الاعتماد على أوكرانيا لاستعادة معظم أو كل أراضيها من خلال الوسائل العسكرية، ينبغي تحويل التركيز إلى تأمين مستقبل أوكرانيا في الغرب.

على مدى الأشهر الأحد عشر الماضية، التي شنت خلالها كل من روسيا وأوكرانيا هجمات متبادلة، تم تغيير ما يزيد قليلاً عن 800 كيلومتر مربع من الأراضي، وهو أقل من خُمْس ما نسبته 1% من أراضي أوكرانيا. وهناك الآن جدل حول سبب حدوث ذلك، ومَن يقع عليه اللوم، ويعتقد القائد العامّ للقوات المسلحة الأوكرانية، الجنرال فاليري زالوجني[21]: "أن التقنيات الحديثة تساهم في الدفاع، كما كان الحال خلال الحرب العالمية الأولى، وصلنا إلى هذا المستوى من التكنولوجيا الذي يضعنا في طريق مسدود". وأضاف أنه بدون قفزة تكنولوجية كبيرة، "ربما لن يكون هناك اختراق عميق وجميل". ومع ذلك، يدعي الرئيس زيلينسكي أنه لا يزال من السابق لأوانه استخلاص مثل هذه الاستنتاجات، وقد قام الزعيم الأوكراني بتوبيخ قائده، واتهم مكتبُهُ زالوجني بـ "تسهيل عمل المعتدي". ويُلقي بعض المتحمسين اللوم على الغرب -وخاصة على إدارة رئيس الولايات المتحدة جو بايدن- لعدم تزويد أوكرانيا بالأسلحة التي تحتاجها للنصر، وهو ما يردد ادعاءات متكررة من جانب زيلينسكي وآخرين، وفي الوقت نفسه، ألقى العسكريون الأمريكيون والمحللون اللوم على التكتيكات والقرارات السياسية الأوكرانية التي جعلت من الصعب تحقيق اختراق عسكري، وهم يصرّون على أن أوكرانيا لو ركزت قواتها المدرعة بشكل أكثر فعالية، كان بوسعها اختراق حقول الألغام الكثيفة إلى حد مدهش على الرغم من أن الخسائر الأولية كانت مرتفعة عندما حاولت القوات اختراقها، لكن بدلاً من ذلك، سحبت أوكرانيا قواتها ولجأت إلى شنّ ضربات مدفعية وصاروخية ضدّ الدفاعات الروسية، ولم تحقق تقدُّماً يُذكَر على الأرض واستنزفت احتياطياتها الضئيلة من الذخيرة.

إن التدفُّق المستمر للأسلحة والذخيرة والمعلومات الاستخباراتية والتدريب أمر حيوي بالنسبة لأوكرانيا لتحافظ على خط المواجهة، ولهذا السبب فإن أولئك الذين يزعمون أن الجمود يجعل المساعدات الإضافية عديمة الفائدة مخطئون. فقد تم وضع الاقتصاد الروسي على أساس عسكري، واستفادت صناعتها الدفاعية من دعم الصين ودول أخرى في التغلب على العقوبات الغربية، وسوف تكون قادرة على إنتاج الأسلحة والموارد البشرية بوتيرة ثابتة ما دامت هناك حاجة إليها، في حين لا تستطيع أوكرانيا وحدها توفير أي منهما.

من الواضح أن عام 2024 سيصبح عام حرب آخر بالنسبة لأوكرانيا، لقد ألقت روسيا كل ثقلها في الحرب، ووافقت على ميزانية ذات نفقات عسكرية قياسية تاريخياً، وأعادت بناء الاقتصاد على أُسُس عسكرية، لقد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، تلخيصاً لعام 2023، عن نيته مواصلة الحرب حتى يتم تحقيق جميع أهداف ما يُسمَّى بـ "العملية العسكرية الخاصة".

الخاتمة

من الصعب التكهُّن بمصير الاتفاقيات بشأن "الضمانات الأمنية" لأوكرانيا، أو بالأحرى بشأن ضمانات الدعم العسكري التقني والسياسي والمالي، من الواضح أن المحتوى الحقيقي لهذه الضمانات لن يعتمد كثيراً على صياغة محتوى هذه الاتفاقيات، والتي ستكون عامة وقابلة للتفسير الواسع.

تدرك روسيا حدودها التكنولوجية مقارنةً بالغرب، وبالتالي تركز في هذه المواجهة الإستراتيجية على الأدوات الهجينة، لا يتضمن النهج الهجين الالتزام بالمنطق الخطيّ، ولكن بالمنطق الظرفيّ، هذا يعني أن روسيا لا تتصرف خطياً من "الخُطوة أ" إلى "الخُطوة ب" وإلى "الخُطوة ج"، بل تتصرف فقط على أساس الظروف، ويعني هذا صعوبة التنبؤ الإستراتيجي، وهو ما يُبقي خطر نشوب صراعات إقليمية جديدة قائماً، وهو ما يرفع من حِدَّة أخطار التهديدات الأمنية، ويزيد من قرع طبول الحرب والاستعداد لها، وهو ما بدأنا نشهد استعدادات ومُمهِّدات له في الدول الأوروبية.

لقراءة الدراسة كاملة، يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية: (اضغط هنا)

الهوامش:

[1]‏ الجمعية العامة للأمم المتحدة توافق على قرار يدين محاولة روسيا ضمّ أراضي أوكرانيا، راديو الحرية، 11 تشرين الأول/ أكتوبر 2022، الرابط.

[2] مجازر المدنيين في بوتشا: ما هو معروف حتى الآن، بي بي سي، 4 نيسان/ إبريل 2002، الرابط.

[3] روسيا تعلن إنهاء اتفاقية الحبوب، DW، 17 تموز/ يونيو 2023، الرابط.

[4] نقل أول 10 ملايين طن من البضائع عَبْر الممر البحري الأوكراني، فوربس، 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023، الرابط.

[5] نقل سفن أسطول البحر الأسود من سيفاستوبول إلى نوفوروسيسك، يورونيوز، 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، الرابط.

[6] "سنأخذ فوليدار بأي ثمن، قيل لنا ذلك"، بي بي سي، 1 شباط/ فبراير 2023، الرابط.

[7] في معركة ملحمية من الدبابات، هُزمت روسيا، مكررة الأخطاء السابقة، نيويورك تايمز، 1 آذار/ مارس 2023، الرابط.

[8] استولت القوات المسلحة على رأس الجسر على الضفة اليسرى لنهر الدنيبر، القناة 24، 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.

[9] المرشحون للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، رويترز، 14 كانون الأول/ ديسمبر 2023،الرابط.

[10] مقابلة مع الجنرال فاليري زالوجني مع صحيفة "الإيكونوميست"، 15  ديسمبر 2022، الرابط.

[11] السلطات الأوكرانية تتعلم من الأخطاء- وهذا مهم، إسبريسو، 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023، الرابط.

[12] يفغيني بريغوجين يعلن السيطرة الكاملة على باخموت، آر بي كي، 20 أيار/ مايو 2023، الرابط.

[13]  القوات الأوكرانية تنسحب من أفدييفكا بعد معارك عنيفة لعدة أشهر، الجزيرة نت، 17 شباط / فبراير 2024، الرابط.

[14] خسائر روسيا بالقرب من أفدييفكا أكبر بعشر مرات من خسائر القوات المسلحة الأوكرانية، القناة 24، 22 كانون الثاني/ يناير 2024، الرابط.

[15] جونسون: غزو روسيا لأوكرانيا سيكون هزيمة لبوتين، آر بي كي، 1 شباط/ فبراير 2022، الرابط.

[16]‏ اتفاقية التعاون الأمني بين أوكرانيا والمملكة المتحدة، الموقع الرسمي لرئيس أوكرانيا، 12 كانون الثاني/ يناير 2024، الرابط.

[17] جوفكفا: قام بعض الحلفاء الغربيين بالفعل بتسليم نصوص الاتفاقيات الأمنية إلى أوكرانيا، فاكتي، 13 كانون الثاني/ يناير 2024، الرابط.

[18]  بعد لندن... زيلينسكي يوقّع اتفاقيات أمنية مع برلين وباريس، الشرق الأوسط، 16 شباط / فبراير 2024، الرابط.

[19] الكونجرس يوافق على مشروع قانون يمنع الرؤساء من الخروج من حلف شمال الأطلسي من جانب واحد، واشنطن بوست، 18 كانون الأول/ ديسمبر 2023، الرابط.

[20] لا تستسلموا للكآبة بشأن أوكرانيا، بلومبرج، 20 كانون الأول/ ديسمبر 2023، الرابط.

[21] زالوجني: وصلنا إلى طريق مسدود، القناة الأوكرانية الخامسة، 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، الرابط.