المشهد السياسي الإيراني وسط محكّ التحدي الإقليمي

المشهد السياسي الإيراني وسط محكّ التحدي الإقليمي

2024-08-08
1066 مشاهدة


واجه الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في اليوم  الأول من عهده، تحدي اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، ال تي قصدها خصيص اً للمشاركة في حفل تنصيبه وتأديته اليمين الدستورية.  

كان الرئيس الإيراني الجديد يعتزم استهلال عهده بلعب ورقة الحوار مع أوروبا من  أ جل الوصول لترتيبات مع الولايات المتحدة، وتخليص بلاده من  ثِقَل العقوبات حسبما وعد خلال الحملة الانتخابية القصيرة. لكن مداهمة تحدي "الاشتباك  الإقليمي " له جعل تالأولويةَ عنده كيفية مجابهة المنعطف نف سه الذي واجهه سلفه  إ براهيم رئيسي في نيسان/ إبريل الماضي، بالرغم من  أ ن الظروف متباينة، ونظراً لهيمنة هاجس "الحرب الشاملة" على الأطراف المعنية حالياً، سيكون رهان بزشكيان على عودة الحوار مع الغرب، وعلى نهج الانفتاح رهاناً مستحيلاً وسط انخراط بلاده تحت قيادة خامنئي في معمعة الإعصار  الإقليمي .     

آلية صنع القرار الإيراني على خلفية التجاذب مع واشنطن     

تزامُناً مع انطلاق ولاية مسعود بزشكيان، أتى اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران، وفي مق رّ تحت حماية الحرس الثوري،  ليُقدِّم أنموذجاً لكيفية عمل مراكز  صُنع القرار وتحديد السياسات.     

وإزاء خرق أمني هائل، ساد  التخبُّط بادئ الأمر، وسرعان ما حدد المرشد علي خامنئي المسار بقوله: "إن من واجب إيران الانتقام لحادثة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية المريرة والصعبة". ولم يكن تهديد خامنئي بالانتقام الأول من جانب طهران، إذ سبقه الرئيس الإيراني بوعيده أن "طهران ستجعل المحتلين الإرهابيين يندمون على فعلتهم الجبانة". لكن اللافت تصريح محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني، الذي أتى مخالف اً بعض الشيء، عندما اعتبر أن "طهران ليس لديها نية لتصعيد الصراع في الشرق الأوسط" ، مع العلم أن نائب الرئيس الجديد كان قد شغل المنصب نفس ه خلال عهد الرئيس الإصلاحي الأسبق محمد خاتمي بين  عامَيْ  2001    و 2005 .  

وإذا كان علي خامنئي "قائد الثورة" و"المرشد الأعلى" و"الول يّ الفقيه" هو صاحب القرار في إيران " الجمهورية الإسلامية"، فإن آلية  صُنع القرار  تتوزَّع بين مكتب المرشد ورئاسة الجمهورية، ومن أبرز الأدوات التنفيذية فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني في الميدان الخارجي، وتأتي بعده وزارة الخارجية الإيرانية. لكن على خلفية التجاذب مع واشنطن والعلاقة  المعقَّدة بينها وبين طهران منذ البدايات مع آية الله الخميني، لا يمكن للمراقبين إغفال العامل الأمريكي بشكل مباشر  أ و غير مباشر في قبول ترشيح مسعود بزشكيان، ووصوله إلى  سُدّة الرئاسة، وه و الذي قال عنه أحد عارفيه: " إ نه لا يزال يرتدي بزة الحرس الثوري منذ مشاركته على رأس الوحدة الطبية  إ بان حرب العراق - إيران" وهو "أحد  أ بناء الثورة ومن  الأوفياء لخطها،  وإن صورته المعتدلة مناسبة له ذ ه المرحلة". وب حسب أحد الدبلوماسيين الفرنسيين السابقين في طهران، فإن قدومه يمثل "تطبيقاً لخطة داهية للمرشد خامنئي، قضت بالسماح لشخصية مغمورة مثل مسعود بزشكيان بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية والفوز بها، وذلك بهدف السعي لإعادة إضفاء الشرعية على نظامه من دون التخلي عن أي سلطة"، ومن  الأهداف الأخرى، استباق الانتخابات الأمريكية.     

هكذا أرادت طهران توسيع هامش مناورتها وعدم الإتيان بشخصية متشددة مثل سعيد جليلي، تخضع للعقوبات الدولية ويصعب عليها القيام بمبادرات دبلوماسية. ومن  الملاحَظ أ ن بزشكيان استعان بمحمد جواد ظريف وزير الخارجية الأسبق، الأمريكي  الهَوَى ، ومهندس الاتفاق النووي ليكون لولب حملته الانتخابية، وقد    عيَّنه لاحقاً    مساعده للشؤون  الإستراتيجية ، حيث حدد بزشكيان مهامه بمراقبة أبرز  التطوُّرات الوطنية والدولية وكذلك مدى النجاح في تحقيق أهداف الدستور. وهذا الموقع "الفضفاض" لظريف ستتأثر  فعّاليته بالصلة مع مكتب المرشد وموافقة خامنئي على  أ ي خطوة انفتاحية.  

قبل التطوُّرات الأخيرة وعمليات الاغتيال المتزامنة من بيروت إلى طهران وانتظار ر دّ  "المحور الإيراني" على التحدي الإسرائيلي، أكد بزشكيان في مراسم  تسلُّم منصبه على الالتزام بنهج المرشد والعمل من  أ جل إيران قوية والدفاع عن "كرامة البلاد على الصعيد الدولي". والقراءة بين السطور للخ طّ البياني الذي سيتبعه الرئيس الجديد، يعني  أ نه لن يكون هو صاحب القرار في السياسة الخارجية ؛ ولذلك سيكون هامش مناورته محدوداً في الانفتاح على أوروبا لصعوبة استعادة الثقة وتذليل العقبات وسط المعمعة  الإقليمية في الشرق الأوسط، والتي تنخرط فيها بلاده بقوة، وعلى  أ بواب الانتخابات الرئاسية  الأمريكية وعدم استبعاد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.  

سيناريوهات المواجهة "الإيرانية -  الإسرائيلية"  والحسابات  الأمريكية     

تماماً كما في مواجهة نيسان/  إ بريل الماضي المحدودة  وَفْق  "الهندسة الأمريكية المحكمة"، يعيش الشرق الأوسط على صفيح ساخن مع  توقُّع سيناريو ضربات منسقة بين إيران وأضلاع محورها، تكون أكثر حِدّةوإيلاماً بالنسبة لإسرائيل. ويأتي هذا التوقع بعد الكشف صباح  الأربعاء  ٣١ تموز/ يوليو عن إصدار علي خامنئي الأمر بشن ّ ضربة مباشرة على إسرائيل، رداً على اغتيال هنية.     وهناك توقُّع بضربات قوية من دون علم مسبق، خلافاً للمرة الماضية، يفرضه ما حدث من    تجاوُز الخطوط الحمراء  وتغيُّر معادلات الردع وهبوط المعنويات عند "حزب الله" و "إيران" بعد المساس بهيبتها  عَبْر الضربات التي طالت الرأسين السياسي والعسكري لحركة حماس إسماعيل هنية ومحمد ضيف، والقائد العسكري لحزب الله فؤاد شكر  

لهذا يتردد منطق الانتقام  عَبْر سيناريو مُحكَم من إيران وحزب الله وحماس والميليشيات الشيعية العراقية والحوثيين اليمنيين،  عَبْر ر دّ متناسق  تُنفّذه   قُوًى نظامية وميليشيات في آ نٍ معاً ، وستكون  تتمّة السيناريو  وتطوُّر الأحداث مرتهناً بكيفية الر دّ الإسرائيلي ومدى التزامه بالسقف الذي تفرضه  إ دارة بايدن  لتجنُّب الحرب  الإقليمية الشاملة.     

مع ذلك، فقد  عَوَّدنا بنيامين نتانياهو على  التملُّص من الوعود المقطوعة لواشنطن، والسير بخطة تصعيد تربط مساره السياسي ومستقبله بما يعتبره الحرب الوجودية التي تحدد مصير إ سرائيل، ولذا سيراعي السلو كُ الإسرائيليُّ الحسابا تِالأمريكيةَ من دون احترامها تماماً.     

أ ما بالنسبة  لإيران خامنئي،  فإنها ستحرص على اختيار التوقيت والهدف لهجمات تصحح معادلة الردع مع  إ سرائيل من دون م سّ رهانها على ترتيب الصلة مع واشنطن ومسعاها التاريخي لتكون قوة  إ قليمية مؤثرة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي.     

من جهتها، تبقى الولايات المتحدة المدافعة عن إسرائيل حريصة على عدم تقويض جهودها  ل ترتيب علاقتها مع إيران وتغيير سلوك نظامها.      

تبدو الرهانات من الجانبين غير قابلة  للتحقُّق؛ لأن طهران غير  مستعدّة لتحجيم مكاسبها  الإقليمية الواسعة، أو تغيير سلوكها المتشدد، أو عدم استكمال برنامجها النووي الذي تعتبره ضمانة البقاء لنظامها مستقبلاً ، وإذا اعتمدت إيران السيناريو المخفف كما في نيسان/  إ بريل الماضي،  ف سيكون ذلك من باب حفظ مكتسباتها وعدم القطيعة مع واشنطن، ومحاولة  تجنُّب ضرب برنامجها النووي، وخشيتها على  أ هم ركائزها الإقليمية، حزب الله.  أ ما  إ دارة جو بايدن، "البطة العرجاء" في هذه الحقبة، فلا تبدو بمظهر القادرة على هندسة محكمة شبيهة بالمواجهة المحدودة في الربيع الماضي ، وكل ذلك يضع الإدارة الإيرانية الجديدة على مح كّ أ ول اختبار  إ قليمي دقيق وعسير.