النفوذ العسكري الأمريكي في إفريقيا في ظلّ التدافُع الدولي
2024-04-084479 مشاهدة
Download PDF
مقدمة:
رغم أن التنافُس الدولي على القارة الإفريقية اتخذ صبغة اقتصادية في المرحلة الماضية، فإن العديد من المؤشرات تؤكد تزايد الاهتمام بـ "مقاربات أمنية عسكرية" لتعزيز الحضور في دول القارة، تتبناها كل من بكين وموسكو وواشنطن؛ وهو ما يرجح احتمالية عودتها للتحوُّل إلى إحدى جبهات الحرب الباردة المستقبلية، خاصة في ظل الحرب "الروسية – الأوكرانية" ورغبة أطراف وقوى جديدة في توزيع جديد لمحاور النفوذ عالميّاً.
وفي دلالة على مقاربة أمنية جديدة تنتهجها واشنطن للتعامل مع التحديات التي تواجهها دول القارة الإفريقية، جاءت إستراتيجية الرئيس الأمريكي جو بايدن تجاه إفريقيا جنوب الصحراء في 8 آب/ أغسطس 2022، في ظل القضايا الراهنة وفي مقدمتها قضايا التحول الديمقراطي، وتأمين الممرات الملاحية، ومكافحة الإرهاب وعدوى الانقلابات العسكرية خاصة في منطقة الساحل والغرب الإفريقي.
وتزداد كثافة النفوذ العسكري الأمريكي في العمق الإفريقي وخاصة في منطقتَي البحر الأحمر والقرن الإفريقي بالتزامن مع ارتفاع مستوى التهديدات الأمنية في بيئة البحر الأحمر، والتي تبلورت في ثلاث ظواهر، هي: العَسْكَرة، وتصاعُد الإرهاب، والقرصنة البحرية؛ وفي سياق موازٍ تصاعدت التهديدات الاقتصادية المرتبطة بأمن الطاقة العالمي، وأمن التجارة الدولية.
نحاول في هذه الورقة الإجابة على سؤال رئيسي مفاده: ما أهم مناطق الوجود العسكري الأمريكي في القارة الإفريقية في ظلّ التدافُع الدولي ومآلات هذا الوجود على أمن دول القارة؟
أولاً: دوافع الوجود العسكري الأمريكي في إفريقيا في ظل التنافُس الدولي:
تسعى الولايات المتحدة إلى تركيز عملياتها العسكرية في إفريقيا، وذلك بهدف مواجهة الخطر الأمني المتزايد الذي تشكله الشبكات الإرهابية، وتتوزع البلدان الإفريقية بين ثلاث قيادات أمريكية، وهي:
1. القيادة المركزية للولايات المتحدة (سنتكوم) وتشمل مصر والسودان وإريتريا وإثيوبيا وجيبوتي والصومال وكينيا وسيشيل.
2. القيادة العسكرية الأمريكية في المحيط الهادي الهندي (باكوم) ويقع ضِمن اختصاصاتها مدغشقر والمحيط الهندي.
3. القيادة العسكرية الأمريكية في أوروبا (إيوكوم) وهي مسؤولة عن باقي الدول الإفريقية وعددها 41 دولة[1]. فيما ستجعل (أفريكوم) القوة العسكرية الأمريكية أكثر فاعلية في ممارسة نشاطاتها عَبْر القارة الإفريقية.
وقد أعاد الرئيس الأمريكي جو بايدن التأكيد على الالتزام الأمريكي حيال الشركاء الأفارقة بالانخراط في بعض القضايا والأزمات السياسية، وذلك لاستعادة المكانة الإستراتيجية الأمريكية عَبْر "مقاربة أمنية" جديدة، خاصة في ظل قرار إعادة القوات الأمريكية إلى الصومال في أيار/ مايو 2022، وإقرار مجلس الشيوخ الأمريكي تشريعاً لشراكة أمنية مع صومالي لاند في حزيران/ يونيو 2022[2]، وتتمثل دوافع الوجود العسكري الأمريكي، فيما يلي:
1. فرض الهيمنة العسكرية والأمنية في ظلّ احتدام المنافسة الدولية:
إذ بدأت كثيـر من القـوى الدوليـة والإقليميـة الفاعـلة في العمـل على إعـادة تموضعهـا من أجـل تحقيق مصالحها وتأميـن أمنهـا القـومي عَبْـر إنشـاء قواعـد عسكـرية ومنصـات لتبـادُل المعلومات الاستخبـاراتية مـع دول القارة. ومع أن هناك تعاوُناً بشأن مكافحة تهديدات الملاحة البحرية في منطقة باب المندب، فإن قدراً من التعارض يظل قائماً بما يعني أن ذلك التواجد يعني عَسْكَرة الأمن فيها؛ إذ بلغ عدد القواعد العسكرية الأجنبية بإفريقيا جنوب الصحراء نحو (45) قاعدة، وهناك 16 دولة تدير (19) قاعدة عسكرية في منطقة القرن الإفريقي، وتنشئ الإمارات قاعدة جديدة في إقليم "أرض الصومال"، إضافة إلى (4) قواعد محتملة تنشئها تركيا وروسيا والسعودية[3].
وتتطلع الصين – بجانب تطوير البِنْية التحتية لقاعدتها العسكرية في جيبوتي التي تم إنشاؤها في 2017 - إلى بناء أول قاعدة عسكرية دائمة لها في غينيا الاستوائية على ساحل المحيط الأطلسي، فضلاً عن توقيع اتفاقيات أمنية ودخول إريتريا في مبادرة الحزام والطريق في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021[4]، مع تطوير مبدأ التدخُّل العسكري الخارجي، وقد أصدر الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في حزيران/ يونيو 2022، مرسوماً تضمن توسيع القدرات العسكرية لبلاده، ومنح جيش التحرير الشعبي الصيني "القدرة على حماية مصالح الصين في الخارج" من خلال التدخُّل في أنشطة عسكرية وغير عسكرية[5]، وهو ما يطلق عليه "أَمْنَنة الوجود الصيني".
ويبدو أن الولايات المتحدة لم تنجح في عزل روسيا عَبْر التقارُب مع دول القارة، إذ تمكنت روسيا من أن تصبح أكبر مصدر للأسلحة لتمثل نحو 49% من إجمالي صادراتها إلى القارة، كما تمثل حصتها نحو 20% من حصة سوق السلاح الإفريقية، تليها الولايات المتحدة 37%، وفرنسا 8,2% والصين 5,2% عام 2021[6].
ونشطت المؤسسة العسكرية الروسية في توطيد علاقاتها مع نظيراتها الإفريقية؛ فوقَّعت منذ عام 2015 نحو (21) اتفاقية عسكرية مع عدة دول، من بينها: أنغولا وبوتسوانا وبوركينا فاسو وتشاد وإثيوبيا وغينيا ومدغشقر ونيجيريا والنيجر وسيراليون وتنزانيا وزيمبابوي. وتشمل هذه الاتفاقيات مجالات متعددة، منها: التدريب الأمني والعسكري، وتبادُل المعلومات، والتعاون في مكافحة الإرهاب. كما تخطط لبناء قاعدة بحرية في البحر الأحمر في السودان، وفقاً لتنفيذ الاتفاقية المصدَّق عليها من بوتين في 16 شباط/ فبراير 2020[7].
ويُلاحَظ الحضورُ المتنامي لمجموعة "فاغنر"، وخاصة مع اندلاع العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، وقد نشرت فاغنر نحو 2000 من قواتها في دول غرب إفريقيا، وبينها مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وذلك في ظل الإخفاق الفرنسي في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهو ما ترتب عليه المطالبة بسحب القوات الفرنسية في عام 2022 على خلفية فشل عملية "برخان" و"سيرفال"، والاستعانة بالدور الروسي في محاولة للهيمنة على بعض الملفات مثل ملف الإرهاب والهجرة غير الشرعية واللاجئين، مما أثار المخاوف الأمريكية من تنامٍ ملحوظ للدور الروسي على حساب المصالح الغربية في إفريقيا[8].
2. مواجهة التهديدات الأمنية والإرهابية:
وضعت "أفريكوم" هدفاً إستراتيجياً هو منع ظهور "أسامة بن لادن" جديد، عَبْر محاربة ما لا يقلّ عن (18) تنظيماً مسلحاً، وتعزيز القدرات الدفاعية للجيوش الإفريقية، وخاصة في منطقة الساحل والصحراء التي تواجه العديد من التهديدات الأمنية نتيجة تنوع إستراتيجيات وتكتيكات التنظيمات الإرهابية وعدم الاستقرار السياسي الداخلي، إذ بلغ نسبتها نحو 34% من معدل الإرهاب العالمي لعام 2023، وشهدت المنطقة أكبر معدلات للوفيات الناتجة عن العمليات الإرهابية، وسجلت موزمبيق والصومال أكبر زيادات في عدد العمليات الإرهابية، حيث زادت الهجمات في موزمبيق بنحو 40%، وفي الصومال نحو 96%، وبلغ المثلث الحدودي مع بوركينا فاسو نحو 71% من إجمالي هجمات 2022[9]، كما هو موضح بالشكل رقم 1.
الشكل رقم 1: نسبة الوفيات الناتجة عن العمليات الإرهابية في كل منطقة الساحل نسبة لبقية دول العالم.
أما عن نشاط حركة شباب المجاهدين، فقد ارتفعت هجماتهم خلال 2022 بنسبة 23%، بإجمالي (784) حالة وفاة، حيث حدثت 93% من تلك الحالات بالصومال و7% بكينيا. أما عن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، فشهدت انخفاضاً في عدد الوفيات بنسبة 28% حيث سجلت (279) حالة وفاة، وقع 48% في بوركينا فاسو و43% في مالي، وفي نيجيريا نجد تراجُعاً واضحاً لنشاط بوكو حرام[10]، في المقابل شهد "تنظيم الدولة الإسلامية غرب إفريقيا" تقدُّماً في نيجيريا، حيث سجل ما يقارب (40) هجوماً أدى إلى (168) حالة وفاة عام 2022[11].. كما هو موضَّح بالشكل التالي:
الشكل رقم 2: التنظيمات الأربعة الأكثر خطورة بين أعوام 2007 و 2022.
الأمر الذي دفع واشنطن للتمركز في إقليم الساحل والصحراء، خلال عامَيْ 2020-2023، خاصة مع التداخُل بين عدم الاستقرار السياسي والإرهاب في ضوء تزايُد معدلات الانقلابات العسكرية بنحو (13) محاولة، وفي مقدمتهم مالي بزعم مساعدة المجلس العسكري في مواجهة التنظيمات الجهادية، والنيجر في ظل إخراج القواعد والقوات الفرنسية من البلاد، بالتزامن مع استغلال روسيا لحالة الانقلاب في النيجر وتعميق نفوذها عَبْر مجموعة "فاغنر".
وفي منطقة القرن الإفريقي، باشرت القوات العسكرية الأمريكية تشكيل "لواء دنب" في الصومال، بقوات قوامها ما يقرب من 1000 عنصر في عام 2021، وبنية قيادة قادرة على تنفيذ أعمال هجومية ضد "حركة الشباب" لمعالجة أوجُه قصور الجيش الوطني الصومالي، وبالفعل نجح الجيش الصومالي في استعادة 29 بلدة من الجماعات الجهادية بنهاية 2020[12]. كما أسفرت غارة عسكرية أمريكية في شمال الصومال عن مقتل عضو بارز في تنظيم داعش، وهو بلال السوداني و10 متمردين آخرين في كانون الثاني/ يناير 2023[13].
3. تأمين الممرات البحرية:
ثَمّة دوافع رئيسية وراء زيادة عَسْكَرة الوجود الأمريكي في مناطق ودول القارة، فبجانب أهميتها الجيوستراتيجية الفائقة ومواردها الاقتصـادية الهائلـة، هناك أمن البحر الأحمر وأمن الموانئ البحرية ولا سيما ضِمن ما سُمِّي "بحرب الموانئ"، فهناك أكثر من 8 موانئ بحرية متطورة في القرن الإفريقي في إريتريا وجيبوتي والصومال والسودان وكينيا، ويتركز النفوذ الدولي عموماً، والأمريكي خصوصاً بحجة المساهمة في ضمان حرية الملاحة الدولية، وتأمين مرور التجارة الدولية، ومكافحة عمليات القرصنة عند مضيق باب المندب وخليج عدن، ومواجهة التهديدات الأمنية والإرهابية[14].
مؤخراً أعلنت الولايات المتحدة إطلاق تحالُف جديد لتأمين الملاحة في البحر الأحمر الذي يمر به نحو 40% من حركة التجارة العالمية، لمواجهة الهجمات التي تنفّذها ميليشيات «الحوثي» في منطقة مضيق باب المندب لاستهداف السفن الإسرائيلية والغربية، ويضم كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشل وإسبانيا، بهدف ضمان حرية الملاحة لكل البلدان ولتعزيز الأمن والازدهار الإقليمييْنِ، وهو ما سيفتح المجال أمام تحالُفات دولية وإقليمية، وبالتالي زيادة العَسْكَرة وفرض شروط جديدة على منطقة البحر الأحمر والملاحة الدولية، التي تعدّها واشنطن ذات أولوية إستراتيجية[15].
ويمكن القول بأن دور الوجود العسكري الأمريكي في القارة لا يقتصر على الجوانب الأمنية والعسكرية، لكنه يمتد لتعزيز الدور الإنساني الأمريكي باعتباره مكملاً للقوة الناعمة، حيث تساعد الوحدات العسكرية الأمريكية في توصيل المساعدات من غذاء وأدوية وغيرها إلى المناطق المتضررة، وقد تجلى الدور الإنساني للقواعد العسكرية الأمريكية خلال جائحة "كوفيد- 19"، حيث وفرت مستشفيات متنقلة في عدد من دول القارة، وقامت بمساعدتها على التعامل مع الفيروس.
ثانياً: التغلغل العسكري الأمريكي في إفريقيا وَفْقاً لمناطق النفوذ:
حاولت الإدارات الأمريكية المتعاقبة تقليل الوجود العسكري في إفريقيا، وهو ما تجلى في إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تخفيض الانخراط العسكري في القارة بما في ذلك "الأفريكوم" والصومال، للتفرغ لمواجهة الخصوم الإستراتيجيين[16]، إلا أن الولايات المتحدة ما تزال موجودة في حوالَيْ 46 تمركزاً عسكرياً - فهناك أكثر من 7 آلاف جندي أمريكي - ما بين قواعد رئيسية ووحدات دعم عسكري، إلا أن الولايات المتحدة تحاول تنويع أدوات تغلغلها العسكري والأمني عَبْر عدة طرق، نستعرض أبرزها أدناه.
1. المهامّ التدريبية والمناورات المشتركة في القارة:
تُجري الولايات المتحدة 3500 مهمة عسكرية في إفريقيا سنوياً، بواقع 10 مهامّ يومياً في 21 دولة، ويمثل ذلك زيادة بنسبة 217% في العمليات والبرامج والتمارين منذ إنشاء قيادة "أفريكوم" عام 2008. تشمل الأنشطة تدريب الجيوش المحلية وتقديم المشورة لها، وتعزيز عمليات مكافحة الإرهاب، عَبْر مناورات وتدريبات دائمة أشهرها "فلينتلوك" و"الأسد الإفريقي" و"مبادرة مكافحة الإرهاب عَبْر الصحراء" التي خُصص لها ما بين 120-132 مليون دولار، وتشارك فيها قوات العمليات الخاصة والاستخبارات، وتُجرى فيها تدريبات جوية، وتجرب فيها القيادة الأمريكية أحدث إصداراتها العسكرية[17].
ففي عام 2002 تم نشر ما يزيد عن 2000 من مشاة البحرية بالوحدة 13 من مجموعة حاملة الطائرات "بونوم ريتشارد"، ومجموعة "بيرل هاربور" من المحيط الهندي للمشاركة في المناورات المشتركة مع القوات الكينية، تضمنت عمليات الإنزال البري من المروحيات، وشارك أفراد الخدمات الطبية والقوات الجوية في مناورات متخصصة في عنتيبى Entebbe وسوروتي Sorotti في أوغندا، كما شارك 300 من مشاة البحرية من الوحدة 24 وخبراء المفرقعات البحرية مع القوات الكينية في مناورة بخليج "ماندا" Manda على الساحل الكيني، وتضمنت الاستيلاء الجوي على قاعدة أرضية بمشاركة عناصر الهندسة الميدانية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان للقوات الأمريكية أنشطة في خليج غينيا، ففي عام 2005 تم إجراء ثلاث مناورات في نطاق تطوير التدريب المنتظم، وقادت الأولى المدمرة الأمريكية "S.land Emory" وعلى متنها 1400 من جنود مشاة البحرية، وشاركت فيها عناصر من القوات البحرية من غانا والجابون وساوتومي وبنين، ثم جرت الثانية في الفترة من أيار/ مايو – إلى تموز/ يوليو بمشاركة من قوات حرس الحدود الأمريكية، أما الثالثة فجرت في أيلول/ سبتمبر، واستمرت لمدة خمسة أسابيع[18].
وقد أقامت واشنطن مناورات "فلينتلوك 2023" التابعة لبرنامج الولايات المتحدة التدريبي السنوي للقوات الإفريقية خلال الفترة من 9- 15 آذار/ مارس 2023، التي تُعَدّ من أكبر التدريبات العسكرية السنوية، ويشارك فيها أكثر من 400 جندي أمريكي، ما يعكس اهتمام الولايات المتحدة بمحاربة تمدُّد المسلحين المتطرفين في منطقة الغرب الإفريقي، حيث تضمّ عدة جيوش غربية وإفريقية، منها الكاميرون والنيجر وساحل العاج وغانا، وتأتي هذه المناورات عقب إعلان فرنسا سحب مجموعة "تاكوبا الأوروبية للوحدات القتالية الخاصة" من مالي، لإعادة نشرها في دول أخرى لا سيما النيجر وتشاد[19].
2. البرامج التدريبية العسكرية للدول الإفريقية:
وفي مقدمتها البرنامج الإفريقي لعمليات التدريب والمعونة ACOTA*: إذ يتضمن التدريب على العمليات العسكرية الهجومية بغرض دعم قدرات القوات الإفريقية في النهوض بعمليات حفظ السلام وحماية اللاجئين، بالإضافة للإمداد بالسلاح، ويقوم على نوعية تدريبية تتماثل مع تلك التي قُدِّمت لنيجيريا لتدعيم قدرة قواتها المسلحة، وقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن استفادة مجموعة قوامها 60 ألف جندي إفريقي من ذلك البرنامج، تنتمي لأكثر من 20 دولة، منها بنين وبوركينا فاسو ومالي والنيجر ونيجيريا والكاميرون وكوت ديفوار وموزمبيق والجابون والسنغال.
وبرنامج التدريب والتعليم العسكري الدولي IMET *: بإشراف البنتاغون، ويستخدم لتوفير تدريب مهني متطوِّر في الكليات العسكرية وغيرها من المؤسسات ذات الصلة، وتم تخصيص مبلغ 35 مليون دولار للقيام بالتدريبات العسكرية في مالي والنيجر وتشاد وليبيا عام 2007، وارتفع عدد الدول الإفريقية المشارِكة فيه من 36 إلى 47 دولة[20].
3. المساعدات العسكرية الأمريكية للدول الإفريقية:
اقترحت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في ميزانية العام المالي 2024-2025 مساعدات بقيمة 8 مليارات دولار لإفريقيا، منها نحو 5% كمساعدات السلام والأمن، واحتلت نيجيريا المرتبة الأولى لبرامج المعونة التدريبية العسكرية الأمريكية بنحو 622 مليون دولار، تليها موزمبيق بنحو 564 مليون دولار، وتنزانيا بنحو 560 مليون دولار، وأوغندا بنحو 559 مليون دولار، وكينيا بنحو 512 مليون دولار[21]. كما أنشأت الولايات المتحدة برنامج حفظ السلام الإقليمي الإفريقي ARP *، بميزانية سنوية تتراوح ما بين 30 – 40 مليون دولار، يُستفاد منها في تمويل تجهيز وتدريب ودعم قوات الدول الإفريقية المشاركة في عمليات لحفظ السلام، منها نيجيريا والسنغال وغانا وغينيا في سيراليون وليبيريا، والقوات الإفريقية العاملة في كل من إثيوبيا وإريتريا، وكذلك تم الإنفاق منه لتغطية تكاليف نقل السلاح للقوات في مواقع العمليات[22].
مع ذلك، لم تُسفر المساعدات الأمنية في تعزيز الاستقرار والتصدي لعدوى الانقلابات العسكرية، إذ لعب الضباط الذين تلقوا التدريب الأمريكي منذ عام 2020، أدواراً رئيسية في الانقلابات في مالي (2020)، وغينيا (2021)، وتشاد (2021)، وبوركينا فاسو (2022)، والنيجر (2023). وهو ما يقتضي أن تخضع جميع برامج المساعدات الأمنية الجديدة أو المخطَّط لها "لتقييم المخاطر الكامل"، مثل قضايا الحكم التي تؤثر على الاستقرار السياسي، بما في ذلك الاتجاهات المناهضة للديمقراطية، وتفاقُم الصراع العِرْقي، وعدم المساواة في توزيع الموارد والخدمات الحكومية ومساءَلة الأجهزة الأمنية، فضلاً عن توجيه المزيد من المساعدات الأمنية من خلال الهيئات الإقليمية، مثل الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس"[23].
4. التدخُّل العسكري المباشر وبيع الأسلحة إلى الدول الإفريقية:
بلغت نسبة مساهمة الولايات المتحدة 39% من حجم الإنفاق العسكري العالمي البالغ 2.7 تريليون دولار، بميزانية قدرها 877 مليار دولار، فيما قدرت مبيعات السلاح الأمريكي بنحو 53 مليار دولار، وارتفع الإنفاق على المعدات العسكرية في جميع أنحاء القارة بنسبة 1,2% بنحو 39,7 مليار دولار عام 2022. وقد خصصت نيجيريا ما نسبته 0,6% من الناتج المحلي الإجمالي للدفاع بقيمة قدرها 4,5 مليار دولار، وفي جنوب إفريقيا بلغ حجم الإنفاق 0,7% بنحو 2,9 مليار دولار، وكينيا بأقل من 1,2 مليار دولار لعام 2022[24]، كما هو موضَّح في الشكل رقم 3.
الشكل 3: حصص الإنفاق العسكري العالمي للدول الـ 15 الأكثر إنفاقاً في عام 2022
وتلجأ الإدارة الأمريكية إلى إعفاء دول إفريقيا في جنوب الصحراء من سداد قروض برنامج التمويل العسكري الخارجي لتمويل عمليات شراء الأسلحة الأمريكية. كما سمحت لبعض الدول في إطار البرنامج التجاري للمبيعات العسكرية بشراء كميات كبيرة من المعدات الحديثة المتطورة التي تُستخدم في محاربة المتمردين.
وفيما يتعلق بالتدخُّل العسكري الأمريكي المباشر، فمِن أبرزه الأزمة الليبيرية في آب/ أغسطس 2003، حيث نشرت 200 جندي أمريكي، لمساعدة جنود غرب إفريقيا على تأمين إيصال المساعدات الإنسانية إلى السكان، بعد الضغط على الرئيس الليبيري تشارلز تايلور للتنحي عن السلطة. كما قامت واشنطن ببناء مطار روبرتسفيلد الدولي الذي يُستخدم كقاعدة رئيسية لإعادة تموين الطائرات العسكرية الأمريكية بالوقود في المحيط الأطلنطي، ومحطة إرسال تابعة للمخابرات المركزية الأمريكية CIA لالتقاط كل ما يبث في القارة، إضافة إلى وجود قاعدة أوميجا إحدى أكبر ست قواعد بحرية أمريكية[25].
وبحلول عام 2020، وبفعل تصاعُد العمليات الإرهابية في نطاق دول الساحل والصحراء، أبطأت واشنطن من وتيرة التخفيض الذي كانت تستهدف القيام به في مستوى نشاطها القتالي، وانخرطت بشكل تدريجي في عدة عمليات مشتركة لمكافحة الإرهاب، خاصة في دول مثل كينيا والجابون، وتوسَّعت في اللجوء للضربات الجوية بالطائرات بدون طيار التي تستهدف المسلحين والإرهابيين، وقدم أفراد من القوات الجوية الأمريكية مؤخراً المساعدة للقوات النيجيرية في مجالات تتراوح بين الخدمات اللوجستية والدعم الجوي والشؤون العامة[26].
5. إقامة القواعد العسكرية الأمريكية في إفريقيا:
عملت الإدارة الأمريكية على إعادة انتشار وتمركز وحداتها العسكرية لحماية المصالح الأمريكية الأمنية الإستراتيجية في القارة والبحار المحيطة بها، ويمكن إيجاز القواعد والتمركزات العسكرية الأمريكية في إفريقيا فيما يلي:
(أ) قاعدة ليمونييه في جيبوتي: وأُقيمت في عام 2002 وبها حالياً 3,200 جندي أمريكي، وتسمح لها بالسيطرة على خط النفط الرئيسي والذي يمتد من خط أنابيب بورسودان في الشرق إلى خط أنابيب تشاد والكاميرون ثم خليج غينيا في الغرب، كما تخوض معارك ضد التنظيمات الإرهابية في شرق إفريقيا؛ كحركة شباب المجاهدين وتنظيم داعش بالصومال، وتمنح واشنطن القدرة على تعزيز وجودها العسكري في نقطة إستراتيجية مشرفة على المحيط الهندي وباب المندب، لاستباق المخططات الروسية لبناء قاعدة بحرية على البحر الأحمر، مع لعب دور رئيسي في تأمين المناطق الجيوستراتيجية الرئيسية في القارة الإفريقية[27].
(ب) القيادة العسكرية الأمريكية الموحَّدة لإفريقيا "أفريكوم": أُعلن عنها عام 2007، وترتكز منهجيتها بصورة شِبه كاملة على مفهوم "الأمن الوقائي" القائم على تنفيذ خُطوات استباقية في مجالات عديدة؛ إنسانية واقتصادية واجتماعية، جنباً إلى جنب مع الخُطوات العسكرية والأمنية، حيث تساعد في جهود نزع فتيل النزاعات، وتأمين بيئة أمنية مستقرة تكون قادرة على مواجهة التنظيمات الإرهابية وهزيمتها من خلال تعزيز الارتباط الأمريكي الإفريقي فيما يتعلق بالإرهاب العالمي، فضلاً عن المساعدة في تنمية قدرات القوات العسكرية للدول الإفريقية، والقيام بالعمليات العسكرية التي يُطلب منها تنفيذها[28].
وقد زادت جهود "الأفريكوم" بنسبة 174% من نحو 172 إلى 546 مهمة، وشارك الجيش الأمريكي فيما يقرب من 80% من هذه الجهود، حيث نفذ فريق اللواء القتالي الثاني 128 نشاطاً منفصلاً في 28 دولة إفريقية خلال عام 2013، في النيجر وأوغندا وغانا وفي مهمتين منفصلتين في ملاوي وبوروندي وموريتانيا وجنوب إفريقيا؛ وشملت عمليات الانتشار جمهورية الكونغو الديمقراطية وكينيا وتشاد وتوغو والكاميرون وساوتومي وبرينسيبي وسيراليون وغينيا وليسوتو وإثيوبيا وتنزانيا.
وشملت كذلك تعليم القوات الكينية كيفية استخدام طائرات الاستطلاع بدون طيار من طراز "رافين" ومساعدة القوات الجزائرية في إنشاء مركبات جديدة مقاوِمة للألغام محمية من الكمائن، وتدريب جنود المشاة التشاديين والغينيين ومساعدة القوات الفرنسية للتدخل السريع في غرب ووسط إفريقيا، وشاركت في مناورة "المحارب الصامت" بنحو 1000 جندي من 18 دولة في 2014[29].
(ت) قاعدة واغادغو في بوركينا فاسو: هدفها تحقيق التعاوُن العسكري بين أمريكا ودول غرب إفريقيا وتحقيق المراقبة الأمريكية للساحل الغربي الإفريقي، حيث تعد بوركينا فاسو نقطة تمركز مهمة في مراقبة التحرُّكات في ساحل خليج غينيا الغني بالنفط.
(ث) القاعدة المقترَحة في ساتومي: تتوقع واشنطن أن تقدم الشروط الفنية القادرة على تنفيذ الدفاع الفعّال والنَّشِط، وتحقيق شروط الأمن للسياسة الدفاعية البحرية في خليج غينيا، بمعنى أنه يمكن للجزيرة أن تقوم بذات الدور الإستراتيجي للقاعدة الأمريكية على جزيرة "دييجو جارسيا" في المحيط الهندي، أو على غرار القواعد الموجودة في "جوام" في المحيط الهادي[30].
(ج) نقاط ارتكاز في شرق إفريقيا: مثل قاعدة عنتيبي في أوغندا عام 1986، ومعسكر سيمبا في خليج ماندا بكينيا ويسهم في محاربة حركة شباب المجاهدين بالصومال، كما يوجد موقع طوارئ في مدينة بجمبورا عاصمة بروندي، وتستخدم القوات الأمريكية مطار كسمايو في جنوب الصومال في إدارة العمليات العسكرية، وكذلك موقع نزارة في جنوب السودان، فضلاً عن وجود تمركز عسكري في منطقة غربا مينش جنوب إثيوبيا منذ عام 2011.
(ح) نقاط ارتكاز في دول غرب إفريقيا: تعمل واشنطن على إنشاء قاعدة جوية في مدينة أغاديز شمال النيجر بتكلفة تصل إلى 100 مليون دولار، وتشغيل سنوي ربع مليار دولار، ومن المرجح أن تدخل حيِّز التنفيذ في عام 2024، وذلك في ظل انسحاب القوات الفرنسية من النيجر، ويوجد نحو 1100 جندي أمريكي يحاربون الجماعات الجهادية النشطة في هذه المنطقة[31].
وفي شمال الكاميرون، توجد قاعدة أمريكية بقرابة 300 جندي أمريكي، ويتم استغلالها في تسيير الطائرات دون طيار، واستخدامها كنقطة استطلاع وإدارة العمليات الحربية ضد تنظيم بوكو حرام الذي ينتشر على الحدود الكاميرونية النيجيرية، وامتد الوجود العسكري الأمريكي إلى جمهورية "ساوتومي وبرنسيب" الواقعة بالقرب من الساحل الشمالي الغربي للغابون، لتكون نقطة ارتكاز قوية تراقب من خلالها كميات النفط التي يتعاظم حجمها وتزداد أهميتها في دول خليج غينيا، وتتخذ البحرية الأمريكية منها مقر قيادة وقاعدة تدريب لجيوش هذه الدول.
وبالإضافة إلى ما سبق، توجد قواعد أمريكية أخرى في غرب إفريقيا تُستخدم من أجل تقديم الدعم اللوجستي؛ مثل قاعدة أكرا بغانا وداكار بالسنغال وليبيريا ومالي وموريتانيا وليبرفيل بالجابون، تم إدراج قاعدة في ليبرفيل في عام 2015 كموقع أمني تعاوني "مقترح" في الوثائق الصادرة، لكنها استُخدمت فعلياً في عامَيْ 2014 و2015 كقاعدة رئيسية لعملية "صدى كاسيمات" في جمهورية إفريقيا الوسطى. وفي تشاد توجد قاعدة في مدينة نجامينا يتم فيها استخدام الطائرات دون طيار، وتتصدى للهجمات الإرهابية لتنظيم القاعدة وتنظيم نصرة الإسلام والمسلمين[32].
ثالثاً: مآلات القواعد العسكرية الأمريكية على أمن دول القارة الإفريقية:
يحمل الوجود العسكري الأمريكي العديد من التداعيات والمآلات التي من الممكن أن تؤثر على استقرار الدول الإفريقية، ومن أبرز تلك التداعيات:
1. استنزاف الموارد الاقتصادية الإفريقية:
عملت الإدارة الأمريكية على إعادة انتشار وحداتها العسكرية وتمركزها في المناطق الغنية بالبترول في القارة الإفريقية، لتأمين حصولها على المصادر النفطية والمعادن الأولية، حيث بلغ إنتاجهـا، بحسـب اللجنـة الإفريقية للطاقة، 11% من الإنتاج العالمي، كما أن احتياطي القارة من النفط الخام، بحسب تقديرات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، يبلغ 8% من الاحتياطي العالمي الخام، ويتمركز بشكل أساسي في منطقة خليج غينيا، إذ تستأثر بنحو 70% من إنتاج الـنفط الإفريقي، بإنتاج يبلغ نحو (9,5 مليون برميل يومياً)، وتهيمن الولايات المتحدة من خلال شركاتها النفطية على نحو 10% من إنتاج النفط والغاز المتوقَّع في القارة، إذ تستحوذ الشركات الأمريكية مثل شركة "شيفرون" و"إكسون موبيل" على سوق النفط النيجيري، وتُعَدّ الولايات المتحدة أكبر مستورد للنفط النيجيري - ثاني أكبر منتجي النفط في القارة في عام 2022 بإنتاج وصل إلى 1,02 مليون برميل يومياً، بعد انخفاض إنتاجها من (1.3 مليون برميل يومياً)، ويبلغ احتياطيها نحو (36,91 مليار برميل)، وتأتي نيجيريا في الترتيب الخامس كأكبر مصدر للنفط الخام إلى الولايات المتحدة[33].
وقد تحولت أنجولا مؤخراً إلى مركز اهتمام شركات النفط العالمية والأمريكية، خاصة بعد تضاعف إنتاجها من النفط في عام 2022 إلى 1,16 مليون برميل يومياً، وتتمتع بأكثر من 9 مليارات برميل من احتياطيات النفط، وتصدر نحو40% من إنتاجها للولايات المتحدة، لتصبح ثامن مزود لأمريكا بالنفط الخام على مستوى العالم، وتسعى الشركات الأمريكية التي تمتلك أكبر عدد من الرخص المتداولة للتنقيب في غينيا الاستوائية إلى رفع الإنتاج بعد تراجُعه لنحو (88 ألف برميل يومياً) لعام 2022، مقابل نحو (153 ألف برميل يومياً) عام 2021 ، ولعل القاعدة الأمريكية الجديدة في النيجر تسعى بكل وضوح إلى تحقيق رغبة أمريكية في السيطرة على موارد النيجر المعدنية، ومن أهمها معدن اليورانيوم المستغَلّ في الصناعات النووية[34].
وتعكس السياسة الأمريكية استخداماتها للقوة لتحقيق مصالحها الإستراتيجية مستغِلّة ضعف الحكومات الإفريقية أمام الأزمات السياسية والصراعات العِرْقية، ولاجتذاب التدفُّقات النفطية والأرباح الضخمة بدعوى التمكين من التصدي للتهديدات الإرهابية، ثم استعادة عوائد تلك الدول وتدويرها في صورة مبيعات وصفقات السلاح.
2. تزايُد الهجمات والأنشطة الإرهابية:
بالرغم من أهمية تطوير جهود واشنطن لمكافحة الإرهاب وتعزيزها، فإن تلك الجهود لا بد أن تُرتَهن بعدة ضوابط منعاً لتداعياتها السلبية على أمن واستقرار الدول، منها أن تكون موجَّهة ضد العناصر الإرهابية بعيداً عن المدنيين، وتقليل اعتماد القوات النظامية على المرتزقة، حيث إن نشاط المرتزقة المسلح لا يفرق بين عناصر إرهابية ومدنيين، ومن شأن هذا تعزيز مشاعر الغضب وتعزيز الطائفية والعِرْقية وتصعيد العنف، مما يسهل مهمة التنظيمات الإرهابية لاستقطاب المواطنين وتجنيدهم.
فعلى سبيل المثال، نجد دولاً كمالي وبوركينا فاسو ذات معدلات مرتفعة للهجمات التي تشنها قوات نظامية أسفرت عن مقتل مدنيين، ففي مالي ارتفع عدد القتلى إلى (1058) مدنيّاً عام 2022 مقابل نحو (158) مدنيّاً عام 2021، وبعد إعلان باريس سحب قواتها تبيَّن أن الجيش المالي كان مسؤولاً عن مقتل (845) مدنيّاً خلال عام 2022، بينما كان تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام مسؤولين عن (221) قتيلاً بزيادة قدرها (75) حالة مقارنة بعام 2021[35].
3. التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية:
تبنى الاتحاد الإفريقي موقفاً يدعو إلى عدم تشجيع الدول الإفريقية على الاستجابة للخطط العسكرية الأمريكية، كما أخذت كثير من الدول والمنظمات الإقليمية الإفريقية، وبخاصة جنوب إفريقيا وغانا ونيجيريا، ومنظمتَا "الإيكواس" و"السادك" مواقف حادّة ضدّ القيادة الجديدة "أفريكوم"، وذلك لرفض تلك الدول لتوجُّهات السياسة الأمريكية عند تصديها لمعالجة قضاياها الإقليمية، أو للخوف من تداعيات الوجود العسكري الأجنبي الدائم على أراضيها، وإلى الافتقار للشفافية واحترام استقلالية تلك الدول.
ومن المخطَّط أن تتمكن القاعدة الموجودة في جيبوتي من استيعاب القوة الإضافية التي سوف تستمد قوامها من الأفرع الأربعة للقوات المسلحة الأمريكية، بالإضافة لوكالة الاستخبارات الأمريكية، كما أنه من شأن تكثيف الوجود البحري زيادة مساحة التنسيق بين أفرع القوات المسلحة في محاولة لضمان تدفُّق النفط للولايات المتحدة، ويتضمن ذلك في الغالب مزيداً من الرعاية الأمريكية للحكومات الصديقة، بغض النظر عن شعبيتها، وتكثيفاً لبرامج التدريب والتسليح، فضلاً عن التدخل النشط في مواجهة الجهات والأطراف المثيرة للمتاعب وَفْق المنظور الأمريكي.
ويسهم الوجود العسكري الأمريكي في ازدياد الممارسات القمعية تجاه بعض الجماعات والأقليات في دول القارة، حيث صمتت واشنطن لتأمين مصالحها النفطية عن انتهاكات النظام الحاكم في غينيا الاستوائية، وعن وقائع "تزوير الانتخابات" التي أطالت عمر الحُكّام الاستبداديين في كل من أنغولا ونيجيريا، كما ارتكبت بعض الوحدات العسكرية الكاميرونية عام 2018 التي تلقت تدريبات عسكرية في القاعدة الأمريكية العديد من الانتهاكات بحق سكان شمال الكاميرون، ولكن بضغط من المنظمات الحقوقية الدولية قررت الولايات المتحدة قطع بعض المساعدات العسكرية للجيش الكاميروني.
كل ذلك يؤدي عموماً إلى ارتفاع احتمالات التدخُّل الأمريكي في الشؤون الداخلية لبعض الدول الإفريقية، أو لدعم نظم الحكم الموالية لسياساتها، كما يشير لذلك سهولةُ تدخُّلها في الصومال بمجرد أن أُتيحت لها فرصة اتخاذ قواعد لها في جيبوتي وإثيوبيا، وسبق أن دعمت الولايات المتحدة التدخل الفرنسي في الأزمة الإيفوارية عام 2011 التي أطاحت بالرئيس السابق لوران جباجبو، ومكَّنت الحسن واتارا من تولي السلطة في كوت ديفوار، وهذا من شأنه خلق مزيد من عدم الاستقرار بالقارة، والتي لن يكون لديها خيار سوى الانخراط في خدمة الشروط العسكرية للمصالح الأمريكية، والانصياع لها[36].
خاتمة
يمكن القول: إن الإستراتيجية الأمريكية باتت تسير إجمالاً في إطار مقتضيات الحرب على الإرهاب جنباً إلى جنب مع الحاجة إلى حماية إمدادات النفط الأمريكية من إفريقيا، كما غَدَا تنفيذ هذه السياسة يتم في معظمه من قِبل المؤسسة العسكرية الأمريكية التي باتت تتولى تنفيذ مهامّ إنسانية واقتصادية وثقافية إضافة إلى مهامها العسكرية والأمنية التقليدية، وهو ما يعكس اتجاه الإدارة الأمريكية نحو "عَسْكَرة" سياستها في إفريقيا بدرجة أعلى بكثير من أي فترة مضت.
يمكنكم تحميل النسخة الإلكترونية PDF (اضغط هنا)
الهوامش:
* أستاذة مساعدة في العلوم السياسية، وخبيرة الشؤون الإفريقية.
[1] "القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا"، ويكيبيديا، 18 أيلول/ سبتمبر 2023، الرابط.
[2] "Biden Approves Plan to Redeploy Several Hundred Ground Forces Into Somalia", The New York Times, 16 May 2022, link:
[3] Neil John Melvin "Managing the New External Security Politics of the Horn of Africa Region", SIPRI, Stockholm, April 2019, link
[4] .Why foreign countries are scrambling to set up bases in Africa", The Conversation, Stockholm, Sep, 202, link
[5] Military and Security Developments Involving the People's Republic of China 2023, Annual Report to Congress, U.S Department of Defense, 2023, Washington, link
1SIPRI Yearbook 2021: Armaments, Disarmament and International Security, Oxford University Press, 2021, United Kingdom, p310-312.
[7] جهاد الخطيب، "الحرب الروسية الأوكرانية والحسابات الإفريقية"، آفاق إستراتيجية، ع 5، مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، آذار/ مارس 2022، القاهرة، ص 104 – 106.
[8] نجلاء مرعي، "مآلات الحرب الروسية الأوكرانية على القارة الإفريقية.. حدود التأثير والتأثُّر"، ندوة عام بعد الحرب الروسية – الأوكرانية: التحولات – التداعيات – المسارات، أكاديمية العلاقات الدولية/ مركز المتوسط للدراسات الإستراتيجية، آذار/ مارس 2023، إسطنبول، الرابط.
[9] Global Terrorism Index 2023, Institute for Economics & Peace, 2023, Sydney, p 60-61. available at , link
[10] Ibid, p 17-19.
[11] Ibid, p28.
[12] Ido Levy, "Redeploying US Troops to Somalia Is the Right Move", The Washington Institute for Near East Policy. 25 May. 2022, link
[13] Paul LeBlanc, "US says it killed 12 al-Shabaab fighters in Somalia airstrike", CNN, 12 Feb. 2023, link
[14] Harry Verhoeven, "The Gulf and the Horn: Changing Geographies of Security Interdependence and Competing Visions of Regional Order", Civil Wars, Vol.20, No. 3, Routledge Taylor & Francis Group, 2018, New York, p351.
[15] أسامة السعيد، " التحالفات العسكرية في البحر الأحمر: تحرُّكات لتأمين الملاحة أم تأهُّب لمواجهات قادمة؟"، جريدة الشرق الأوسط، 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023
[16] Trump orders withdrawal of US troops from Somalia", BBC News. 5 Dec. 2020, link
[17] Nick Turse, Tomorrow's Battlefield: US Proxy Wars and Secret Ops in Africa, Haymarket Books, 2015, Chicago, P 73-74.
[18] عبد المنعم طلعت، الهجوم الهادئ: المصالح الإستراتيجية الأمريكية والتهديدات الأمنية في خليج غينيا، مؤسسة الأهرام، 2008، القاهرة، ص 219-220.
[19] "Flintlock 2023 opens with ceremonies across Ghana and Cote d’Ivoire", United States Africa Command, 16 March. 2023 , link
* ACOTA: African Contingency Operation Training and Assistance (US).
* AMET: International Military Education and Training (US) .
[20] Lauren Ploch, “Africa Command: U.S Strategic Interests and the Role of the U.S Military in Africa”, Congressional Research Service, 5 Jan. 2009, Washington, p20-21, link
[21] Tomas F. Husted, Alexis Arieff, “U.S. Assistance for Sub-Saharan Africa: An Overview” , Congressional Research Service, 7 Nov. 2023, Washington, p1 , link
* ARP: African Regional Peacekeeping Program (US).
[22] Volman, Daniel., "The Bush Administration & African Oil; the security Implications of Us Energy policy", Review of African Political Economy, Vol 30, No. 98, Routledge Taylor & Francis Group, Dec. 2003, New York, p. 579.
[23] Jim Lobe, “Case Studies: US Military Assistance In Africa Doesn't Work”, Responsible Statecraft, 22 Aug 2023, link
[24] Stockholm International Peace Research Institute SIPRI, Military expenditure, April 2023, Sweden, link
[25] نجلاء مرعي، النفط والدماء: الإستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا "السودان نموذجاً"، المركز العربي للدراسات الإنسانية، 2012، القاهرة، ص 198-200.
[26] Nick Turse, op.cit, P 75-76.
[27] "U.S. AFRICOM Commander Praises Commitment of Service Members During Visit to Djibouti", United States Africa Command, 24 Sep 2008, link
[28] Crawley, Vince., "U-S Military's Africa Command will help African leaders: Officials say new AFRICOM will emphasize humanitarian missions, civil affairs", Bureau of International Information programs, U-S Department of state, April 2007.
[29] Nick Turse, op.cit, P 75-79.
[30] عبد المنعم طلعت، مرجع سابق، ص 246 – 247.
[31] New scramble for Africa: Foreign military bases in Africa", WordPress, 12 April 2018 , link
[32] Ibid, and Pierre Abramovici, "United States: the New scramble for Africa", Review of African Political Economy, Vol 31, No. 102, Routledge Taylor & Francis Group, Dec. 2004, New York, p. 685-686.
[33] Charné Hollands, "Biggest Oil Producers in Africa in 2022", Energy Capital and Power, 8 June 2022, link
[34] Ibid.
[35] Global Terrorism Index 2023, op.cit, p 67-68.
[35] نجلاء مرعي، النفط والدماء: الإستراتيجية الأمريكية تجاه إفريقيا "السودان نموذجاً"، مرجع سابق، ص 203–204.