ملامح إستراتيجية أمريكية متوقَّعة في البحر الأحمر
2024-03-151518 مشاهدة
يؤدي انعدام الأمان والسلطة في الجغرافيا السياسية للبحر الأحمر إلى التشكيك في السياسة التي تعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة باعتبارها أحد أهم الممرات الإستراتيجية للتجارة العالمية وأمن الطاقة.
منذ إعلان الصين عن مشروع "حزام واحد - طريق واحد" عام 2013، كانت إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر متميزة بكثير من الغموض والتردُّد على صعيد العلاقات الأمنية والاقتصادية، خلال هذه الفترة ونتيجة للإستراتيجية المبهمة التي تتبعها الولايات المتحدة الأمريكية، ظهرت في المنطقة جهات فاعلة عالمية مثل الصين وروسيا وجهات فاعلة إقليمية مثل تركيا والإمارات وإيران، وفي ظل أزمة اليمن والحرب الأهلية السودانية والصراع المصري الإثيوبي ومشاكل الصومال ومجازر غزة، لم تتمكن الولايات المتحدة من منع الحوثيين من استمرار عملياتهم في استهداف السفن الدولية، الأمر الذي أدى إلى إعاقة سلسلة التوريد العالمية وتضرُّر منظومة البِنْية التحتية الإلكترونية العالمية. ولهذا قامت العديد من شركات الشحن الدولية بتعليق أنشطتها في البحر الأحمر، ومن بينها أكبر شركات الشحن البحري في العالم التي تنقل أكثر من نصف بضائعها العالمية عن طريق البحر.
تشير كل هذه التطوُّرات إلى أن إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر قد وصلت إلى طريق مسدود، وعلى الرغم من العمليات الجوية المحدودة التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية مع حلفائها البريطانيين ضد الحوثيين، إلا أنها لم تحقق أهدافها السياسية والاقتصادية في تعزيز تدفُّق التجارة الدولية وتحقيق سلاسة أنشطة سلاسل التوريد، ويعود عدم تمكُّن الولايات المتحدة الأمريكية من حماية السفن التجارية في المنطقة إلى العديد من العوامل المحلية والعالمية.
إذاً كيف ستحدد الولايات المتحدة الأمريكية من الآن وصاعداً أولويات إستراتيجية البحر الأحمر؟ وما الجهات الفاعلة التي ستتعاون معها بشكل أكبر؟
إن كسر عمليات الحوثيين في تعطيل مسار سفن الملاحة والتجارة العالمية وإضعافها هو الأولوية القصوى لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر حالياً. أما الهدف الثاني والدائم للولايات المتحدة الأمريكية فهو إيقاف الصين ومنعها من امتلاك نفوذ في المنطقة؛ لأن كبح جماح النفوذ الصيني في المنطقة يعني في الوقت ذاته السيطرة على حركة الشحن الدولية المارة من البحر الأحمر وباب المندب، ومن المتوقع أن تواجه الولايات المتحدة الأمريكية اليوم منافسة عسكرية مع الصين في البحر الأحمر كما كان الحال حينما واجهت منافسة عسكرية مع الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة، لهذا السبب تتخذ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر منحى جديداً يتبنى منظوراً أمنياً، في الواقع ستهيمن العقيدة العسكرية في الفترة المقبلة على الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في البحر الأحمر باعتبارها أكثر عنصر تجيد الولايات المتحدة الأمريكية عادة استخدامه في سياساتها الخارجية.
يواجه الوجود العسكري الأمريكي في حوض البحر الأحمر صعوبة في القدرة على الرد على الأزمات الحالية، بالإضافة إلى قاعدة "ليمونييه" التي بُنيت في جنوب غربي جيبوتي، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستبني 5 قواعد عسكرية جديدة في الصومال، كما سيتم نشر القوات الأمريكية وإجراء تدريب عسكري للجنود الصوماليين بموجب مذكرة التفاهم الموقَّعة بين وزارة الدفاع الصومالية والسفارة الأمريكية في مقديشو، ومن اللافت للنظر أن تحرُّك الولايات المتحدة الأمريكية نحو الصومال جاء بعد تحرُّك إثيوبيا نحو أرض الصومال. ويمكن أن نقول: إن هذه الاتصالات السياسية والعسكرية بين الصومال والولايات المتحدة الأمريكية تمت بموافقة تركيا بل وبتشجيع منها، ويبدو أن التحسُّن الأخير في العلاقات مع تركيا المنضمّة لحلف الناتو لم يؤدِّ إلى تعاوُن ثنائي فحَسْبُ، بل إلى تعاوُن عالمي أيضاً، وفي الوقت الذي تضعف فيه فرنسا في إفريقيا، تُظهر الولايات المتحدة الأمريكية أنها ستتعاون مع بريطانيا وتركيا بشكل أوثق، ولا شك أن اتهامات روسيا التي تزعج تركيا في البحر الأسود بسبب حرب أوكرانيا قد لعبت أيضاً دوراً مهماً في ذلك.
ومن المتوقع أن تزيد الولايات المتحدة الأمريكية التركيز على المنظور الأمني في البحر الأحمر بالتوازي مع التركيز على المنظور ذاته في المحيط الهندي أو جنوب غربي آسيا في مواجهة الصين، إضافة إلى سعيها إلى السيطرة على التجارة الدولية ومكافحة الإرهاب والقرصنة وتهريب الأسلحة والهجرة غير النظامية؛ حيث ترى الولايات المتحدة أن كل محاولة لوضع الصين في قلب الشبكات التجارية العالمية تهدف في النهاية لتقويض النظام الدولي الحالي الذي تتربَّع الولايات المتحدة على عرشه.