الواقع المتغير في المشهد العسكري السوداني ودلالاته
2025-01-1669 مشاهدة
أعلن الجيش السوداني السيطرة رسمياً على مدينة "ود مدني" الإستراتيجية في 11 كانون الثاني/ يناير 2025، بعد مرور حوالَيْ عام على استيلاء قوات الدعم السريع على هذه المدينة في كانون الأول/ ديسمبر 2023، ويأتي هذا التقدُّم ضِمن سلسلة من التقدُّمات التي حققها مجلس السيادة السوادني عَبْر الجيش والقوات المتحالفة معه منذ مطلع كانون الثاني/ يناير 2025 في ولاية الجزيرة.
ما سبق كان جزءاً من عدة تغيُّرات عسكرية متلاحقة شهدتها عدة مناطق في السودان بين طرفَي الصراع، ورأى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان أن استعادة السيطرة على "ود مدني" هي بداية لتحرير "كل شبر" من الأراضي السودانية؛ لحسابات إستراتيجية متعلقة بأهمية هذه المدينة التي تُعَدّ عاصمة ولاية الجزيرة الواقعة جنوب العاصمة الخرطوم وتبعد عنها حوالَيْ 140 كم، وفي الوقت ذاته يمكن أن تمثل نقطة انطلاق لعمليات هجومية متقدمة باتجاه مناطق جنوب السودان وشرقها.
وعلى الجهة الأخرى، اعترف قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو بالخسارة، وأرجع الهزيمة إلى التفوُّق الجوي للجيش واستخدام الطائرات دون طيار، وتعهد بمواصلة القتال للوصول إلى الانتصار، حتى لو استغرق الأمر 20 عاماً أخرى.
على الرغم من فِقْدان الدعم السريع لمدينة "ود مدني" إلا أن الواقع الميداني يوضّح أن هذه القوات لا تزال تسيطر على جيوب عسكرية واسعة في دارفور وكردفان وسنار وبعض المناطق في ولاية الجزيرة ومثلها في العاصمة الخرطوم، وبالتالي لا تزال قادرة على شنّ ضربات استباقية وأيضاً مواجهة أيّ هجمات مضادّة من قِبل قوات الجيش.
تتجه الأنظار الآن إلى الخرطوم التي تشهد تقدُّماً طفيفاً للجيش السوداني على عدة جبهات، خصوصاً في الخرطوم بحري، مدفوعاً بالمعنويات العالية والانتصار الذي حققه في "ود مدني"، لكن الحسابات العسكرية فيما يتعلق بالعاصمة مختلفة إلى حدّ كبير عن أيّ ولاية سودانية أخرى؛ لأن بسط السيطرة عليها بالكامل من قِبل طرف ما، سيتيح له أفضلية حسم المعركة على المستوى العسكري أو السياسي.
بالنسبة للموقف الدولي، تأتي كل هذه التطوُّرات في ظلّ غياب أيّ عملية سياسية لتحقيق وقف إطلاق نار أو احتواء التصعيد، باستثناء مبادرة وساطة تركية جديدة تم إطلاقها في 30 كانون الأول/ ديسمبر 2024، لتقريب وجهات النظر بين مجلس السيادة السوداني ودولة الإمارات على وجه التحديد؛ لأن مجلس السيادة يرى أن استمرار الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع حالَ دون هزيمتها، وعليه يجب التفاوُض مع داعمي هذه القوات للوصول إلى نتائج تفاوضية مُجدِية.
المبادرة التركية -وعلى الرغم من ترحيب مجلس السيادة والإمارات بها إلا أنها- لم تترجم على أرض الواقع، بسبب توسُّع العمليات العسكرية؛ وهو ما يجعل الأُفُق ضيّقاً أمام حصول أيّ جهود دبلوماسية دولية فعالة في هذا الصدد، خصوصاً أن مجلس السيادة من مصلحته توسيع نطاق سيطرته خلال الفرصة السانحة حالياً قبل الانخراط بأي مفاوضات بشكل جِديّ، لتقوية موقفه على الطاولة.
على صعيد آخر، من الممكن أن تترافق التحوُّلات في خارطة السيطرة العسكرية في السودان على واقع الديناميكيات الداخلية على وجه الخصوص، وقد تتلوها عدة تحرُّكات سياسية لتوسيع أحلاف وجماعات أو انشقاقات أخرى، وهي أشبه بعملية إعادة فرز أو ضبط للقُوى المحلية، ما سيؤثر بدوره على طبيعة التحرُّكات للقُوى السياسية الرئيسية، ومن المحتمل أن يدفعها نحو اتخاذ خُطوة ما باتجاه التهدئة، بناءً على ما تملكه من أوراق ضغط على أطراف الصراع.