أشباح القاعدة تُطِلُّ في مقديشو.. ماذا وراء استهداف القوات الإماراتية؟

أشباح القاعدة تُطِلُّ في مقديشو.. ماذا وراء استهداف القوات الإماراتية؟

2024-02-16
1448 مشاهدة


بتاريخ 11 شباط/ فبراير 2024 نفّذ أحد عناصر تنظيم "حركة الشباب المجاهدين" في الصومال عملية إطلاق نار في قاعدة الجنرال "غوردن" العسكرية في مطار آدم علي الدولي في مقديشو.

انتهت العملية بمقتل 9 عسكريين على الأقل -بحسب الإعلام الصومالي- بينهم أربعة ضباط إماراتيين وضابط بحريني في حين قُتل خمسة عناصر من القوات الصومالية، بينما أكدت مصادر حركة الشباب الإعلامية مقتل 17 عنصراً بينهم الضباط الإماراتيون والبحريني الخمسة و5 عناصر من القوات الصومالية وثمانية آخرون من "القوات المرتزقة التابعة للإمارات" بحسب وصف أنصار التنظيم.

الإمارات والصومال: مسارات العلاقة

مرّت العلاقات الإماراتية الصومالية بأشكال متعددة من الفتور والترابط والعداء، مما جعل مسار العلاقات بين الدولتين متعرِّجًا بحسب التفاعُلات الكبرى التي تؤثر في مسار الأحداث من جهة، وموقف الإمارات من القضايا الداخلية للصومال من جهة أخرى.

بدأت العلاقة الإيجابية رسميًّا بين البلدين مع إطلاق المرحلة الثانية من تدخُّل الأمم المتحدة في الصومال بين آذار/ مارس 1993 و آذار/ مارس 1995، حيث شاركت الإمارات إلى جانب دول أخرى ببعض الكتائب العسكرية لحفظ السلام في مقديشو، وقدّمت آلاف الخيام للاجئين الفارين من الحرب، إلى جانب بناء مشفى ميدانيّ، تطوّر ليصبح فيما بعدُ "مشفى زايد الخيري"، ثم بدأت بدعم المنظمات الخيرية والإنسانية بالمِنَح المالية والطبية، واستمر مسار الدعم الإنساني إلى حين وقوع الأزمة الخليجية عام 2017 التي أفرزت العديد من الإشكالات، ومن أبرزها إيقاف برنامج تدريب الإمارات لوحداتٍ من الجيش الصومالي في مقديشو عام 2018 ومصادرة الصومال مبلغ 9.6 مليون دولار من طائرة السفير الإماراتي في نيسان/ إبريل 2018، إلى جانب التصويت على منع شركة موانئ دبي العالمية من العمل في موانئ الصومال وتطويرها، وطلب الرئيس الصومالي آنذاك محمد عبد الله فرماجو من الإمارات الاعتذار عن تدخُّلها في شؤون الصومال الداخلية.

عادت العلاقات بين الطرفين إلى التحسُّن بعد وصول حسن شيخ محمود إلى منصب الرئاسة مرة أخرى في 15 أيار/ مايو 2022، كما وقعت الإمارات مع الجيش والحكومة الصومالية اتفاقيات أمنية جديدة، من بينها الإسهام في استهداف حركة الشباب المجاهدين، وتبادل المعلومات بشأن مكافحة الإرهاب وتمويله، وإعادة تفعيل برنامج تدريب الجيش الصومالي وتمويله، إلى جانب الاعتذار عن مصادرة الأموال التي جرت في عهد الرئيس فرماجو، وإعادة الأموال المصادَرة، إلا أن الإمارات قدّمتها كدعمٍ في مساعي مواجهة المجاعة والجفاف في البلاد.

خفايا الخلاف

تقدم مصادر إعلامية وسياسية عديدة، صوراً مختلفة عن السياسة الإماراتية في الصومال، بوصفها موقعًا إستراتيجيًّا يمتلك التأثير في ملفات حساسة في مختلف بلاد القرن الإفريقي والبحر الأحمر، ومن ثمّ عملت على مسارٍ موازٍ يهدف للتغلغل الأمني والاقتصادي فيه.

على سبيل المثال، فقد أسهمت الإمارات -منذ عام 2010- في دعم إقليم -بونتلاند- أو أرض البُنط وموّلت خفر السواحل في الإقليم لمواجهة القرصنة، ووقعت اتفاقًا مع حكومة الإقليم على ترميم وتطوير وتشغيل ميناء بوصاصو -مقابل ساحل عدن- لصالح شركة موانئ دبي العالمية لمدة 30 سنة، إلى جانب تمويل وكالة الاستخبارات الخاصة بالإقليم وتدريبها.

كما تقاربت الإمارات مع جمهورية صومالي لاند الانفصالية -وغير المعترف بها رسميًّا- وأسهمت في تقديم تمويل لأجهزتها الأمنية عام 2016، كما وقّعت شركة موانئ دبي العالمية اتفاقًا معها يقضي بترميم وتطوير وتشغيل ميناء بربرة في ساحل الجمهورية لمدة 30 عامًا، وتطوير الواجهة البحرية للمدينة ومطارها وتمويل خفر السواحل والأمن الداخلي وجهاز الاستخبارات والجيش في الجمهورية الانفصالية وتدريبهم، وتمويل إنشاء طريق دولي سريع يربط المدينة بإثيوبيا عَبْر مدينة واجالي غربًا.

وقد دعمت الإمارات في كانون الثاني/ يناير اتفاقية إثيوبيا وحكومة أرض الصومال القاضية بمنح إثيوبيا 20 كيلومتراً من شاطئ البحر الأحمر وتحديداً ميناء بربرة على خليج عدن لمدة 50 سنة، إلى جانب تفاصيل أخرى بالغة الأهمية كالسماح ببناء قاعدة عسكرية بحرية إثيوبية في ميناء بربرة مقابل تعهُّد إثيوبيا بالاعتراف بـصومالي لاند دولة مستقلة، وَفْق رواية بعض مسؤولي "أرض الصومال".

عمومًا قد عززت الإمارات حضورها الميداني في الصومال عَبْر امتلاكها ثلاث قواعد عسكرية في كل من ميناء بوصاصو -قاعدة علولا-، وميناء بربرة -مطار عسكري- وقاعدة في ميناء كيسمايو بموجب اتفاق مع الحكومة الفيدرالية في 2016 لبناء قاعدة عسكرية للقوات الإماراتية في إقليم جوبا بدعم من الرئيس حسن شيخ محمود وأحمد محمد إسلام رئيس الإقليم آنذاك.

الإمارات وحركة الشباب، لمحة عن العلاقة والاستهداف

في خُطوة مفاجئة، نفّذت الإمارات غارة بطائرة مسيّرة استهدفت اجتماعًا لقيادات في حركة الشباب في حزيران/ يونيو 2023، في أول انخراط فعلي من قِبلها في استهداف الحركة، حيث استهدفت غارة جويّة منزلاً في بلدة دوماي التي تسيطر عليها حركة الشباب في ولاية مدق، وذلك بالتزامن مع التحضيرات العسكرية للحملة العسكرية التي أعلنت عنها الحكومة الصومالية وبدأت تنفيذها منذ تموز/ يوليو 2023.

دفع الاستهداف حركة الشباب لتصعيد عملياتها ضد القطعات العسكرية التي تدربها الإمارات في مقديشو، إلى جانب تصفية عدد من المدنيين بتهمة تعاوُنهم معها، من بينها تنفيذ هجوم انتحاري في أيلول/سبتمبر 2023 داخل قاعدة دامانيو العسكرية التابعة لقوات المغاوير الصومالية التي تدربها الإمارات في مديرية دينيلي في مقديشو، وقد أدى الهجوم إلى مقتل قُرابة 20 عنصرًا وإصابة 30 آخرين.

تصف أدبيات الحركة الدول المنخرطة في الصراع بين الحكومة الصومالية وتنظيم حركة الشباب المجاهدين بأنها "دول صليبية" تخضع لتوجيهات الولايات المتحدة، كما تركز بيانات الحركة الإعلامية على وصف قوات هذه الدول والوحدات التي تدربها بـ "الميليشيات" و"المرتزقة".

من ناحية أخرى، ركّز خطاب الجماعة انتقاده لكلٍّ من الإمارات وتركيا، بوصفهما أبرز الدول المسلمة التي تمتلك حضورًا عسكريًّا داعمًا للدول الصليبية -حسب وصفها-، حيث وصف الشيخ أحمد عمر أبو عبيدة قائد الحركة في أيار/ مايو 2022 في خطاب له بأن دورهما في تأجيج الصراع أساسي في الصومال، وأكد -في سياق خطابه- أن هاتين الدولتين، من أسباب البلاء في الصومال، وتقفان عقبة أمام تطوُّره، فتركيا عضو في تحالف الناتو "الصليبي"، تعبث -بحد وصفه- باقتصاد البلاد، واستولت على مطار مقديشو ومينائها، وأنشأت قاعدة عسكرية لحماية عمليات استنزاف الاقتصاد الصومالي، أما الإمارات فهي الأخرى تسعى للسيطرة على الموانئ الصومالية خارج مقديشو، وإنشاء قواعد عسكرية لها على طول خط ساحل البحر الأحمر، وتسعى لتعزيز نفوذها بجيش تشكّله من المرتزقة في المنطقة.

في هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن الحركة نفذت عمليات متعددة ضد مصالح إماراتية قبل حادثة الاستهداف المشار إليها آنفاً، منها اغتيال مدير عمليات موانئ دبي العالمية في ميناء بوصاصو حيث قُتِل باول أنطونيو فراموسا -من دولة مالطا- بالرصاص عن قرب أثناء تجوُّله في أسواق السمك قرب الميناء في أيار/ مايو 2018، وسبق ذلك في حزيران/ يونيو 2015 استهداف موكب إغاثي تابع للهلال الأحمر الإماراتي بعملية انتحارية في مقديشو، حيث قُتل في الهجوم 6 صوماليين تابعون للهلال الأحمر، وأُصيب العشرات جراء التفجير.

هجوم غوردن، شبح القاعدة ودلالات العملية

ينبني الحضور الإماراتي في الصومال على إستراتيجيتها في السيطرة على قواعد النقل البحرية في القرن الإفريقي وشرقي إفريقيا ومنطقة المحيط الهندي، وقد قامت الإمارات بالاستثمار المباشر في شريط ساحلي طويل بدءًا من ميناء السخنة جنوب السويس والغردقة وشرم الشيخ وغرب بورسعيد مرورًا بموانئ الصومال بربرة، وبوصاصو وكيسمايو، وصولاً إلى العديد من الموانئ في راوندا، وموزمبيق، ومدغشقر، وأنجولا، وغينيا، وجنوب إفريقيا، والسنغال وجمهورية الكونغو الديمقراطية؛ ومن ثَمَّ فإن القرن الإفريقي موقع إستراتيجي لتوسيع النفوذ الإماراتي في اليمن، ودعم سياساتها فيه.

بناءً على ذلك كان لا بُدّ من تعميق التحالُفات الأمنية والعسكرية مع الصومال وأقاليمه المختلفة، كلّ على حدة، إلى جانب تعزيز تعاوُنها مع الحكومة الفيدرالية، وهو ما أثمر بتحويل ميناء بربرة -مؤقتًا- إلى مركز إقليميٍّ للموانئ الإماراتية من ناحية، وقطع الطريق -نظريًّا- على السفن الإيرانية التي كانت ترسو في بوصاصو، بهدف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن.

مطلع شباط/ فبراير 2024 وقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قانوناً يلغي صفقة الميناء واعتبرها انتهاكاً للسيادة، وهدّد بحرب ضد الاتفاقية لحماية البلاد، بالرغم من أن علاقة الرئيس الحالي جيدة مع الإمارات بخلاف القيادة السابقة التي اختارت لغة العداء وتجميد المشاريع معها.

في هذا الجو المشحون، جاءت عملية حركة الشباب حاملة في ثناياها دلالات لا تُخطئها العين، بداية من استغلال روابط عشائرية مع منفذ العملية، والذي دفعته الحركة لينخرط ضِمن الجيش عمداً، ومع ظهور اللحظة المناسبة، استهدف العنصر أكبر رتبة إماراتية في الصومال، في مشهد لم يسبق وقوع شيء شبيه له فيها.

تستمد الحركة معظم قوتها من استغلال الروابط العشائرية في مجتمع ما زالت الكلمة فيه سياسيًّا وعسكريًّا للعشيرة في الدرجة الأولى، ومن هذا المنطلق، لن نستغرب أن تميل بعض القبائل في المناطق الشمالية نفسها لمساندة حركة الشباب التي تمتلك أذرعاً وقواعد في محيط مدينة بوصاصو، فقد رفضت عشيرة "عيسى" المنتشرة في مدينتَي زيلع ولوكهي العشائر منح إثيوبيا أي منفذ بحري في أراضيها، وربما يتطور المشهد لصدام بين هذه العشائر من جهة، وحكومة أرض الصومال وإثيوبيا من جهة أخرى، في شيء مشابه لما حصل في مدينة لاسعانود عام 2023 ، حيث أخرجت العشائر قوات جيش أرض الصومال منها بالقوة، علماً أن السياسة الإثيوبية لن تضمن الاستقرار في أرض الصومال دون إثارة فتنة بين القبائل، وهو ما سيحرّض الحركة للاستنفار بهدف ضم أكبر عدد من مقاتلي العشائر إلى صفها لمواجهة الغزاة الإثيوبيين.

تُعَدّ العملية مؤشراً على أن استسلام عناصر حركة الشباب للقوات الحكومية بهدف الانضمام لها، جزء من خطة تجهيز عملاء داخل الجيش الصومالي، مستغلين بذلك الروابط الاجتماعية والوساطات العشائرية التي تضغط على الضباط والقيادات في الجيش لتسهيل دسّ عناصر من التنظيم في الجيش، وهذا مؤشر على استمرار جعل الولاء القَبَلي وسيلة للضغط والاستقطاب والتجنيد وتقديمه على عامل الحرفية والكفاءة.

في الإطار ذاته، تندرج عملية الحركة ضد الضباط الإماراتيين في إطار الثأر من مقتل عدد من قياداتها في هجوم الطائرة الإماراتية المسيّرة في حزيران/ يونيو 2023 من جهة، ومواجهتها لإستراتيجية الإمارات الداعمة لإثيوبيا في الحصول على منفذ بحري في صومالي لاند من جهة أخرى، ومن المحتمل بشكل كبير أن تدفع العملية الإمارات لتكثيف هجماتها -بطائرات دون طيار بداية- على الحركة، ومحاولة استقطاب عشائر معينة لتكوين ميليشيات خاصة موازية للقوات الحكومية وداعمة لها في حربها ضد التنظيم، وهو ما يزيد من التوتر الأمني والعشائري في البلاد، وهو بالضبط الجوّ الملائم لعودة ترسيخ حضور التنظيمات الجهادية في المشهد مرة أخرى.

من المحتمل أن تتجه الإمارات لمراجعة أنشطتها وخفض حضورها في الصومال خشية مزيد من الهجمات ضدها في الأشهر القادمة. وتجدر الإشارة إلى أن وقوع هجمات مماثلة على منشآت تدريب الجنود الصوماليين في مقديشو التي تدعمها الولايات المتحدة وتركيا وبعثة القوات الإفريقية احتمال وارد الحدوث أيضاً.