الثورة السورية تُسدِّد ضربة مُوجِعة لأحلام بوتين البحرية

الثورة السورية تُسدِّد ضربة مُوجِعة لأحلام بوتين البحرية

2024-12-16
231 مشاهدة

وفَّرت قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية مركزيْنِ مهميْنِ لروسيا شرق المتوسط، ومع سقوط نظام الأسد في سوريا فإن البدائل صعبة، ولا تحقق لموسكو ما كانت تحققه الجغرافيا السورية بِبَرِّها وبحرها، الأمر الذي يُشكِّل تهديداً للنفوذ الروسي بعيداً عن إطار الاتحاد السوفياتي سابقاً.

تناقش مجلة إيكونوميست ECONOMIST أثر ما قام به الثوار السوريون على المصالح الروسية الإستراتيجية عندما تمكنوا من إسقاط نظام بشار الأسد، وتداعيات ذلك في فرض انحسار النفوذ الروسي مستقبلاً.

نصّ الترجمة

على امتداد 50 عاماً مضت كان وجود روسيا في البحر الأبيض المتوسط مرتبطاً بسلالة الأسد التي كانت تحكم في سوريا، حيث في عام 1971 بدأ حكم تلك العائلة بعد أن استولى حافظ الأسد (والد بشار) على السلطة في البلاد، واستمر حكم تلك الدكتاتورية حتى الأسبوع الماضي.

في العام نفسه الذي استولى فيه الأسد الأب على السلطة قام الاتحاد السوفياتي بعقد اتفاق مع سوريا لاستئجار ميناء في طرطوس على الساحل السوري، والآن وبعد مضيّ كل تلك السنوات، أصبح الوجود العسكري الروسي الذي استمر لعقود مهدَّداً بالزوال بعد الانهيار السريع لنظام الأسد، وعلى ما يبدو فإن الكرملين قد تجنب مغادرة فوضوية ومذعورة، مع إدراك أن روسيا يتضاءل نفوذها على الجبهة الجنوبية لحلف الناتو.

كانت سوريا بالنسبة لروسيا شريكاً تاريخياً مهماً قبل أن تمزقها الحرب التي استمرت في البلاد لأعوام عديدة، وقد صرّح قائد البحرية الروسية عام 2012 فيكتور تشيركوف Viktor Chirkov قائلاً: "هذه القاعدة أساسية بالنسبة لنا في الماضي وفي المستقبل."

اتَّسع نفوذ روسيا في سوريا بشكل كبير عام 2015، عندما تدخلت لإنقاذ نظام الأسد من تقدُّم فصائل الثورة عليه، حيث أرسلت روسيا طائرات مقاتلة إلى قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، وقامت بقصف فصائل الثورة بشكل مكثف، وأرسلت قوات بحرية إلى طرطوس التي كانت قد خرجت إلى حدّ كبير عن الخدمة في تسعينيات القرن الماضي.

لم يتمّ إخلاء طرطوس بعدُ؛ لكن وفقاً لتحليل راصدِ تحرُّكاتِ السفنِ عَبْر صور الأقمار الصناعية ماثيو توبين أندرسون Matthew Tobin Anderson فإن السفن الحربية الروسية كانت حتى 9 كانون الأول/ ديسمبر 2024 تتمركز على بُعد حوالَيْ 8 كيلومترات غرب الميناء، بعيداً عن الخطر.

البحرية الإسرائيلية كشفت في 10 كانون الأول/ ديسمبر 2024 أنها استخدمت في وقت سابق صواريخ مضادة للسفن لتدمير سفن حربية سورية قرب خليج المينا البيضا (منطقة تقع في سوريا على ساحل البحر الأبيض المتوسط بالقرب من مدينة اللاذقية)، وقد شكل هذا الموقع المرفأ الرئيسي في اللاذقية.

صرّح متحدث باسم الكرملين أن روسيا اتخذت خُطوات ضرورية للتواصل مع مَن يستطيعون ضمان أمن القواعد العسكرية الروسية في سوريا، ويبدو أن إحدى هذه الخُطوات تمثلت في تبنّي لهجة أكثر تصالحية تجاه مَن كانت تقصفهم روسيا سابقاً؛ فقد سارعت وسائل الإعلام الروسية إلى اعتماد مصطلح "المعارضة السورية" وصفاً للثوار بعد أن كانت تصفهم بـ "الإرهابيين".

وقال الباحث في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي مايكل كوفمان Michael Kofman: إن هيئة تحرير الشام وهي أقوى فصيل معارض "أظهرت براغماتية في خطابها، وتبدو كأنها تُبقي خيارات التواصل مفتوحة"، ومن المحتمل أن تسمح الهيئة لروسيا بالاحتفاظ بالقاعدة مقابل أسلحة أو دعم دبلوماسي أو نوع آخر من المقايضة، لكن الأكثر احتمالاً هو أن يكون أيّ اتفاق يمكن أن يقوم به الطرفان هو مجرد ترتيب مؤقت، ووفقاً لكوفمان فإن روسيا "تتفاوض على شروط الخروج"، و"من المرجح أن تضطر موسكو إلى التخلي عن قواعدها في سوريا"، وهذا سيكون له في نهاية المطاف تأثير كبير على وضع روسيا البحري.

يقول ضابط البحرية البلجيكي السابق فريدريك فان لوكيرين Frederik Van Lokeren: إنَّ الوجود الروسي في طرطوس كان متواضعاً، فهو عبارة عن مجموعة صغيرة من الغواصات والفرقاطات والطرّادات الحربية، ومع ذلك فإن بعضاً من تلك السفن كانت تحمل صواريخ بعيدة المدى قادرة على ضرب أهداف تابعة للناتو في جنوب أوروبا، كما أن الميناء كان نقطة انطلاق للقوة البحرية الروسية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث كان وجود قوات الناتو محدوداً عادةً.

تمكنت روسيا من إرسال أساطيل أكبر إلى الجنوب، بالنظر إلى أنها ستكون قادرة على الراحة وإجراء الصيانة وإعادة التزوُّد بالوقود في الطريق، وبذلك أصبحت طرطوس ذات أهمية خاصة لكونها مركزاً لوجستياً، خاصة بعد غزو روسيا لأوكرانيا عام 2022، عندما فرضت تركيا قيوداً على الوصول إلى البحر الأسود وأسطول روسيا هناك.

دون قاعدة طرطوس البحرية من المرجح أن تصبح العمليات البحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط أقصر مدة وأكثر تكلفة وأقل انتظاماً، كما لا توجد بدائل متاحة كافية، ويشير فان لوكيرين إلى أن الجزائر ومصر، وهما بديلان محتملان، من غير المرجح أن ترحبا بالقوات الروسية بسبب المخاوف من التداعيات الجيوسياسية.

لقد أجرت روسيا محادثات مع السودان حول بناء منشأة بحرية هناك، لكن ميناء بورتسودان يفتقر إلى البِنْية التحتية اللازمة، وبالتالي قد يكون خيار روسيا التوجه إلى طبرق في ليبيا وفقاً لفان لوكيرين، إذ إن مَن يسيطر على الميناء هناك هو الزعيم الليبي خليفة حفتر الذي يحافظ على علاقات وثيقة مع روسيا، وقد استقبل سفنها في الماضي، بما في ذلك طرّاد وفرقاطة في وقت قريب من هذا الصيف.

ومع ذلك، فإن غياب تطوير البِنْية التحتية على البرّ يجعل هذه المراسي أقل أهمية مقارنة بطرطوس.

إن فِقْدان قاعدة حميميم سيمثل أيضاً خسارة لروسيا، وإن كانت أقل تأثيراً، فقد كانت القاعدة الجوية مركزاً مهماً للقوة الجوية الروسية، ويشير الملحق الدفاعي البريطاني في موسكو سابقاً جون فورمان John Foreman إلى أن القاعدة "موقعها مثالي" بين روسيا وإفريقيا، مما يسمح بتزويد القوات المرتزقة الروسية بالإمدادات في ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي.

عام 2017 منح النظام في سوريا القوات الروسية عقد إيجار للقاعدة لمدة 49 عاماً، وتم توسيع مدارجها لاستيعاب الطائرات الأكبر حجماً، كما أتاح ذلك استخدامها نقطة انطلاق للقاذفات الإستراتيجية الروسية، التي استُخدمت في محاكاة هجمات صواريخ مضادة للسفن ضدّ مجموعة حاملات الطائرات البريطانية في البحر المتوسط عام 2021، وفقاً لما ذكره فورمان.

ومع ذلك ستكون قاعدة حميميم سهلة الاستبدال نسبياً، حيث يقول كوفمان بأن روسيا لا تزال تمتلك 3 قواعد جوية بديلة يمكنها استخدامها في ليبيا، وعلى ما يبدو فقد بدأ الأفراد والمُعَدّات بالفعل مغادرة حميميم.

قبل 9 سنوات كان التدخل الروسي في سوريا بمثابة عودة قوية لها بصفتها قوة عسكرية كبرى خارج أوروبا، فقد دخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى الساحة العالمية بعد غزوه شرق أوكرانيا بعد عام من ضمه شِبه جزيرة القرم، ليقوم بإنقاذ حليفه في سوريا من خلال عرض حاسم للقوة الجوية على بُعد آلاف الأميال من وطنه.

لكن أحداث الأسبوع الماضي تمثل تحوُّلاً حاداً في الأوضاع، فقد كتبت الباحثة في معهد العلوم السياسية في برلين (SWP) سابينة فيشر Sabine Fischer أن سقوط الأسد "يُعَدّ ضربة كبيرة لحلم بوتين في أن تكون روسيا لاعباً دولياً في عالم متعدد الأقطاب لا تسيطر عليه القُوى الغربية وحدها".

يبدو أن العديد من الشخصيات الروسية المؤثرة قد توصلت إلى نفس الاستنتاج، فقد كتب محلل السياسات المُقرَّب من الكرملين فيودور لوكيانوف Fyodor Lukyanov أن الحُكّام الجُدُد في سوريا "يعطون انطباعاً بأنهم عقلانيون ومُتحضِّرون"، مضيفاً أن "الأولوية المطلقة" لروسيا هي أوكرانيا، وخلص إلى أن روسيا ستكون أفضل حالاً إذا ركزت على أن تكون قوة إقليمية تركز على أوروبا.

ويتفق مع هذا الرأيِ الخبيرُ في مركز تحليل الإستراتيجيات والتقنيات في موسكو (CAST) روسلان بوكوف Ruslan Pukhov، الذي يتمتع بعلاقات وثيقة مع المؤسسة الدفاعية، قائلاً: "موسكو لا تمتلك ما يكفي من القوات العسكرية والموارد والنفوذ والسلطة للتدخُّل الفعّال بالقوة خارج حدود الاتحاد السوفياتي السابق."

وأضاف بوكوف أن روسيا قد انتصرت بسرعة، لكنها فشلت في تثبيت انتصارها سياسياً، وأضاف قائلاً: "لقد مرّ الأمريكيون بهذه التجربة من قبل في العراق وأفغانستان، ومثلما وقع الأمريكيون في أخطاء مشابهة في العراق وأفغانستان، فإن الروس سيواجهون الصعوبات أو الأخطاء نفسها عند تدخُّلهم في سوريا".


ترجمة: عبد الحميد فحام
المصدر: (إيكونوميست ECONOMIST)