امتناع لبنان عن سداد ديونه

امتناع لبنان عن سداد ديونه

2020-04-25
5443 مشاهدة

تمهيد

خرج لبنان من الحرب الأهلية بديون رسمية تقدر بـ 3.2 مليار دولار أميركي، واستمر المبلغ بالارتفاع لأسباب مختلفة أبرزها فوائد المبلغ المترتبة على الدين، إضافة إلى المساهمة الكبيرة في تحمل العجز المترتب على "شركة كهرباء لبنان"، حيث دفعت الحكومة اللبنانية ما يزيد عن 11 مليار دولار أميركي منذ 1992 وحتى 2011 من أجل تغطية ديون الشركة، وإذا اضيف للمبلغ فوائده، فإن الإجمالي يكون أكثر من 18 مليار دولار دفعتها الحكومة اللبنانية لتقديم هذه الخدمة، وهذه المبالغ مقترضة بالكامل.

مع نهاية العام الماضي نزل المتظاهرون للساحات في معظم مناطق لبنان مطالبين بعمليات اصلاح اقتصادي وسياسي حقيقية، مما سلط الضوء بشكل أكبر على الوضع الاقتصادي، وساهم بأزمة سياسية استقال على إثرها رئيس الحكومة وعطل الحياة من جديد، إلا أن مسألة غير مسبوقة حصلت بعد تولي الحكومة الجديدة مهامها، وهي الإعلان عن عدم سداد الجزء المستحق من الدين العام اللبناني في بداية مارس 2020.

وليس لبنان هو البلد الأول الذي يتعرض لأزمة مديونية حيث أن هذا النوع من الأزمات له تاريخه الاقتصادي المعروف، فقد وصل دين الارجنتين على سبيل المثال إلى أكثر من 132 مليار دولار أميركي عام 2001 لتتخلف الأرجنتين ست مرات عن سداد الدين منذ استقلالها.

ويعني توقف الدولة عن السداد أنها لن تكون قادرة على الاستدانة من جديد إلى أن تقوم بإصلاح موقفها، كما أن تقديرها الائتماني سيتأثر بشكل كبير مستقبلاً. وقد اضطرت الدول التي تخلفت عن السداد لإيجاد حلول منها لهذه الأزمة، من قبيل اللجوء للاقتراض من البنك الدولي مقابل وصفة إصلاحية معينة أو اللجوء لإعادة جدولة الديون أو ابرام اتفاقات مع جهات أخرى تتحمل السداد أو جزء منه مقابل تنازلات سياسية أو اقتصادية معينة، وبالتالي سيكون على المقرضين اللجوء للمحاكم أو التفاوض من جديد حول شروط سداد معينة.

أولاً: الدين اللبناني واستعراض المجريات

1. واقع الدين العام اللبناني

بلغ الناتج المحلي الإجمالي للبنان في 2019 قرابة 58 مليار دولار أميركي مقابل أكثر من (91 مليار دولار) دين، كما أن لدى لبنان عجز في الحساب الجاري. وقد زاد هذا العجز على خلفية تأثره بشكل كبير بأزمة الاقتصاد السوري.

ومع منتصف 2019 اتصف الاقتصاد اللبناني بعدة ملامح تصفه بشكل إجمالي وهي: ضعف الثقة الشديدة، حالة عدم تأكد كبيرة حول المستقبل والحاضر، سياسة نقدية متحفظة، انكماش في القطاع العقاري بشكل كبير، زيادة في عبء السكان بسبب النمو، إضافة لدخول مليون ونصف المليون سوري وبمعدل بطالة 20%، زيادة الانفاق الحكومي في رواتب الموظفين، وفوق كل هذا احتياطي نقدي يتم استنزافه وهو في انخفاض ملحوظ عما كان عليه سابقاً بسبب خروج مبالغ أكثر مما يدخل إضافة لأعباء الدين العام، يضاف لذلك التصنيف الائتماني "ضعيف" (بحسب مودي: Caaa1) وبحسب ستاندرز أند بورز و فيتش كان (B-) وهذا يعني درجة مخاطرة إلى مخاطرة عالية.

هناك قطاع واحد يمكن أن يتم استثنائه مما ذكر أعلاه وهو قطاع السياحة، والذي يبدو أنه بقي يعمل بشكل جيد، بل وأفضل مما كان عليه في 2018، حيث ارتفعت العائدات بـ12% مما هي عليه في النصف الأول من 2018، بفضل سمعة لبنان في مجال السياحة التي طغت على الظروف الصعبة.

2. تطور حجم الدين اللبناني وتوزعه بين الجهات الدائنة

بعد الحرب الأهلية في لبنان تم وضع خطة لإعادة الاعمار من قبل مجلس التنمية والتطوير بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي، وأقرض البنك الدولي لبنان 225 مليون دولار أمريكي، واستمرت عملية الاقتراض من مصادر عدة بغرض صيانة الطرق وبناء قطاع المياه والصحة والتعليم وإصلاح المؤسسات المختلفة، ثم لجأت للاقتراض الداخلي بمعدلات فائدة مرتفعة بسبب عدم كفاية المساعدات والمبالغ الواردة من الخارج، وفي كل عام كان لدى لبنان عجز في نفقاته التي تعد أكبر من ايراداته، وبالتالي يلجأ من جديد للاقتراض، حتى ارتفع الدين من قرابة 4 مليار عام 1993 إلى 70 ملياراً عام 2015.

ويوضح الشكل رقم (1) تطور الدين العام اللبناني منذ فترة ما بعد الحرب حتى عام 2019.

ويُلاحظ أن الدين العام اللبناني تراكم بالدرجة الرئيسية في فترة ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية، حيث كان الاقتراض كبيراً حتى بداية عام 2000 من أجل بناء القطاعات الرئيسية في الدولة، وكذلك ارتفع اثناء الأزمة المالية العالمية في 2008 و2009، ومؤخراً تسببت الأزمة السورية بإضعاف واردات لبنان وزيادة الاقتراض.

فيما عدا هذه الزيادات كانت واردات لبنان دائماً أكبر بكثير من صادراته، ومصروفه في عجز مستمر، مما استدعى اقتراضاً وراء آخر، وبنسب متساوية تقريباً سنوياً للصرف على قطاعات الدولة الرئيسية.

الشكل رقم (1)

تطور الدين العام منذ فترة ما بعد الحرب وحتى اليوم (مليار دولار)

Chart1
 

3. الدائنون الرئيسيون للبنان

ومع بداية العام 2020 بلغ الدين العام اللبناني حوالي 91 مليار دولار أميركي.

يتوزع الدين اللبناني على دين حكومي بالعملة المحلية يشكل 63% بقيمة اجمالية قدرها (87279 مليار ليرة لبنانية) ودين سيادي بالعملة الأجنبية بقرابة 33 مليار دولار تقريباً (50871 مليار ليرة لبنانية) وتتوزع على الدائنين كما في الشكلين (2) و(3).

أما سندات اليورو بوند والتي تُشكل النسبة الأكبر فقد استحوذت المصارف التجارية اللبنانية على ما نسبته 43% منها حتى نهاية يناير 2019، فيما تبلغ حصة الدائنون الأجانب قرابة 33% فيما يحمل مصرف لبنان ودائنون محليون بقية الحصة، ولكن هذه السندات بقيت سهلة التداول وأثيرت إشكالية بيعها خارج البلاد من قبل المصارف المحلية خلال الأشهر الماضية بعد التخوف من التخلف عن السداد من قبل الحكومة.

 الشكل رقم (2)

الدائنون بالليرة اللبنانية

Chart2
 

 

الشكل رقم (3)

الدائنون بالعمل الأجنبية

Chart3
 

ونلاحظ أن المصارف اللبنانية هي صاحبة الحصة الأكبر في الدين العام اللبناني سواء بالعملة المحلية أو بالعملة الأجنبية، وهناك خمسين مصرفاً تجارياً دائناً للدولة اللبنانية، وعشرة مصارف من هذه المصارف تحمل أكثر من 80% من الدين لوحدها. وتطمح هذه المصارف من وراء الدين إلى الأرباح الضخمة التي تجنيها من الفوائد، حيث حققت هذه المصارف الخمسين مبلغاً أكبر من ملياري دولار أميركي كعائدات لليورو باوندس وعائدات السندات الحكومية بالعملة المحلية في 2018، وتوظف هذه المصارف ما يقرب من ثلثي موجوداتها في السندات الحكومية.

ويأتي مصرف لبنان كأبرز الدائنين للحكومة، وهو يأخذ أمواله من المصارف أيضاً في معظمها، حيث يصدر شهادات إيداع بالعملات الأجنبية، وقد حقق المصرف ما يزيد عن 1.5 مليار عائدات في 2018، ويعود المصرف ليدفعها مرة أخرى للمصارف كعائدات على الشهادات، أي أن المصارف مرة أخرى هي صاحبة الدين الحقيقية.

ويحمل الدائنون الأجانب ما يزيد عن 10 مليار دولار أميركي من إجمالي الدين بالعملة الأجنبية. وتكتتِب المؤسسات العامة التابعة للحكومة، كمؤسسة الضمان الاجتماعي، بجزء من السندات بإجمالي دين قرابة 6 مليار دولار من عملات محلية وأجنبية، فيما يحمل الدائنون الأفراد أقل من مليار دولار أميركي والمؤسسات الخاصة المحلية قرابة 300 مليون دولار أميركي.

أما الحكومات والمؤسسات الرسمية فدينها لا يتجاوز 2.5 مليار دولار أميركي وهي ديون بالعملة الأجنبية من البنك الدولي والصناديق العربية وبعض الحكومات الأوربية.

4. الاستحقاقات في الفترة المقبلة

كأي ديون أخرى تنقسم الديون اللبنانية إلى ثلاثة أقسام من حيث المدة بشكل عام، ديون قصيرة الأجل، ديون طويلة الأجل وأخرى متوسطة.

تستحق ما نسبته 2.2% فقط من إجمالي المبالغ المستدانة بالعملة المحلية في العام 2020، ويستحق ما نسبته 3.85% من إجمالي الدين في 2021، فيما يستحق ما يزيد عن 41% بعد عشر سنوات فما فوق.

أما استحقاق السندات بالعملة الأجنبية خلال عام 2020، فكان أولها في التاسع من مارس الماضي، بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي، وأعلن لبنان رسمياً عدم قدرته على السداد، والثاني في أبريل 2020، إضافة لاستحقاق في منتصف يونيو بقيمة تبلغ حوالي 2.5 مليار دولار أميركي وبالتالي فإن على لبنان أن يسدد هذا العام في الحالة الطبيعية 4 مليار دولار أميركي، وهو الأمر الذي يبدو أنه لن يتحقق وسيتم التفاوض عليه.

5. ردود الفعل السياسية

في اليوم التالي لإعلان لبنان تعليق الدفع صرح وزير خارجية لبنان أن مواقف الفرقاء اللبنانيين في مهاجمة الدول الصديقة والشقيقة لن يكون موقفاً رسمياً للبنان، وقال إن الأولوية اليوم التوجه للبيت العربي كما أكد أنه يطلب الدعم من الأشقاء والأصدقاء.

كما أجرى لبنان تشاورات مع صندوق النقد الدولي في ظل ترحيب من جميع الفرقاء باستثناء حزب الله، والذي يرى أن التدخل من قبل الصندوق سيعني التحكم بلبنان وقال إنه لن يقبل الخضوع للصندوق، حيث يرى الحزب أن الصندوق سيتدخل في مسائل تمس مصالحه الاقتصادية في لبنان، لذا فإنه لا يزال يرفض التدخل في ظل قبول بقية الأطراف.

ثانياً: الآثار المحتملة للأزمة على الاقتصاد اللبناني

بعد أن أعلن لبنان تعليق السداد على الديون نستطيع أن نرصد مجموعة من الأثار المحتملة وإن كانت هذه الأثار تتعلق بالوضع الاقتصادي بشكل عام وليس فقط بالتعليق، حيث التعليق يبدو أنه نقطة مفصلية وانعكاس لمسائل أخرى، ولعل أبرز الأثار هي:

1) خفض الجدارة الائتمانية

التصنيف الائتماني هو درجة تظهر مدى حكم وكالات هذا التصنيف على المؤسسة أو الدولة اتجاه قدرتها على أداء ديونها، أي أنهم يقيسون مستوى الجدارة الائتمانية، وبالتالي خفضت الوكالة جدارة لبنان الائتمانية من مخاطرة إلى مخاطرة عالية ثم إلى متعثر.

ومنذ بدء الأزمة الأخيرة للبنان خفضت وكالات الائتمان الدولية التصنيف الائتماني للبنان أكثر من مرة، حيث قامت وكالة فيتش بتخفيض التصنيف الائتماني للبنان من (B-) إلى (CCC) منتصف العام 2019 ثم إلى (CC) في يناير من 2019.

كما صنفت مودي الوضع الائتماني بأنه (Ca) أي أنه ذو مخاطر عالية، كذلك صنفتها ستاندر أند بورز بأنها (CC) ذات مخاطر عالية.

التصنيفات أعلاه تعطي مؤشر على أن إمكانية الاقتراض المستقبلية ستكون أصعب مبدئياً بكل تأكيد، ما لم يجري لبنان إصلاحات اقتصادية تعيد من الثقة وترفعها على سلم التصنيف.

2) زيادة خروج الأموال نحو الخارج

رغم أن لبنان وضع قيوداً على التحويلات المالية للخارج وكذلك قيود على السحب منذ عدة أشهر، حيث وضع المركزي اللبناني سقفاً لسحب المبالغ المالية لكل صاحب حساب، وذلك من أجل المساهمة في الحفاظ على الموارد المالية للبلاد بالقطع الأجنبي إلا أن المواطنين وجدوا طرقاً عدة لمعالجة هذه المسألة كالتوقف عن الإيداع والسحب عبر السقف المسموح به وكذلك الشراء بالدولار من شركات أجنبية والدفع عبر البطاقات حيث تنتقل الأرصدة لحساب شركات عالمية لديها القدرة والامكانية حول كيفية تحصيل أموالها.

كما جرى ولا يزال يجري الحديث عن تهريب أموال خارج لبنان بالقطع الأجنبي في مخالفة لقرار مصرف لبنان المركزي، وقد بدأ بالفعل تحقيق رسمي داخل البلاد حول مثل هذه الحوادث وقد تم وضع إشارة حجز على أصول 20 مصرفاً لبنانياً من قبل القضاء بداية مارس، ويتوقع أن هذه العمليات لن تتوقف وسيبحث الجميع عن أساليب لإخراج أموالهم من قارب مثقوب مما سيعني انخفاضاً في القطع الأجنبي الموجود في لبنان.

3) انخفاض الاحتياطي الأجنبي لدى مصرف لبنان المركزي

كان مصرف لبنان يمتلك في نهاية يناير 2019 ما يزيد عن 29 مليار دولار أمريكي بقليل. ومنذ التوترات الأخيرة بدأت المصارف تسحب مبالغ أكبر نتيجة طلبات المودعين مما جعل المصرف يدفع خلال فترة بسيطة سبع مليارات دولار بحسب تصريحات وزير المالية اللبناني.

ويعتقد أنه في ظل الأزمة الراهنة لن يكفي إيقاف الدفع لاستحقاق السندات، ولكن هناك المزيد من الالتزامات على البنك المركزي والحكومة بالعملة الأجنبية والعملة المحلية يجب النظر إليها.

4) تعطل جزء من أعمال المصارف اللبنانية

أدّت الأزمة إلى تعطّل جزء من أعمال المصارف اللبنانية، سواءً من ناحية فتح الاعتمادات المستندية أو الكفالات المصرفية، والتي لن تعترف بها معظم الدول في حال كان أحد المصارف اللبنانية طرفاً فيها، وهو سيُسبب بمشاكل أكبر لحركة الاستيراد والتصدير، وكذلك سيكون هناك شروط أكبر على عمليات الإقراض والاقتراض التي ستقوم بها المصارف، ولا يتوقع أن يتم التوسع في عمليات الاقتراض في وقت لاحق خاصة، وأن المصارف باتت تعاني من مشكلة حقيقية في السيولة بعد تخلف الحكومة ودخولها في مفاوضات مع المصارف.

5) انخفاض سعر صرف الليرة اللبنانية

انخفض سعر الليرة اللبنانية منذ الأزمة الأخيرة مقابل الدولار من قرابة 1500 ليرة لكل دولار إلى قرابة 3500 ليرة لكل دولار (يوم 23/5/2020). وسينعكس ذلك بالتأكيد على القوة الشرائية للمواطن الذي يستلم دخله بالليرة، والاسعار ستكون أعلى بكثير.

6) مزيد من الضعف في موارد لبنان

مع اقتراب الموسم السياحي باقتراب الصيف تتعلق أعين لبنانيين على تحسن الأوضاع، ولكن مع انتشار كورونا وإعلان عدد من الدول تعليق السفر نحو لبنان فإن الآمال تخيب باتجاه ما يمكن تحصيله من أموال وما يمكن تحريكه من جمود اقتصادي، وفي ظل الأزمة الأخيرة يعتقد أن لبنان سيدخل في مرحلة ركود أكبر من أي وقت سبق.

ثالثاً: السيناريوهات المحتملة

استناداً إلى البيانات أعلاه فإن وضع لبنان يمكن تقيمه على أنه متعثر وليس مفلس، ولكنه يواجه تحديات كبيرة من جانب تجاوز المرحلة، ولديه تجارب دول أخرى تعثرت في وقت سابق، ويبدو أنه يحاول الاستفادة منها.

وإذا ما تمت مقارنة لبنان بالدول الأخرى فإن وضعه يبدو قابلاً للعلاج، حيث نلاحظ من الجدول التالي أن هناك دول كثيرة في العالم لديها نسبة ديون قريبة أو أعلى من 100% من الديون نسبة للناتج المحلي الإجمالي.

وعلى الرغم من أن لبنان تزيد بمرة ونصف عن ناتجه المحلي الإجمالي، إلا أن هناك دول وصلت لحدود أعلى من هذه النسبة وعادت وضبطت الأمر، فعند مقارنة لبنان مع كل من قبرص، اليونان (وهما دولتان تشبهانه من حيث الهيكل الإنتاجي)، وكذلك مع إيطاليا والجزائر والبرازيل والأرجنتين، وهي دول مرتفعة الدين فإننا نلاحظ الآتي:

إن دولة مثل الجزائر وصل دينها إلى أكثر من 100% من ناتجها الإجمالي في فترة الأزمة الجزائرية التي مرت بها البلاد منتصف التسعينات، ولكنه عاد لينخفض إلى حدود أقل من 40%، كذلك فإن الأرجنتين والبرازيل نجحتا في ذلك.

وقد بدأت الحكومة اللبنانية بالتفاوض مع الدائنين من جديد، فيما ينتظر من الدائنين إصدار مواقف رسمية نهائية، حيث يسعون لتكوين تجمع للدفاع عن حقوقهم، ومع استمرار الأزمة نستطيع أن نضع مجموعة من السيناريوهات حول لبنان في الفترة المقبلة:

1. السيناريوهات المحتملة لتصرفات الحكومة

أ. سيناريو التعاون الخارجي مع لبنان

ضمن هذا السيناريو من الممكن للبنان أن يحصل على مساعدات خارجية من دول عربية أو عالمية ممكن أن تكون على شكل قروض منخفضة الفائدة أو ضمانات للدائنين أو حتى هبات، حيث يمكن أن يستطيع لبنان أن يدفع جزء أو كل مستحقاته ويسير في تحسين الوضع الاقتصادي في حال حصل مثل هذا.

لكن الوضع الدولي والإقليمي لا يبشر بتحقق مثل هذا السيناريو، فالمرشح الأكبر بالدفع هو اما السعودية أو فرنسا ولكن ذلك ستطلب تحقيق توافق سياسي من نوع معين في لبنان، في هذه الحالة سيستطيع لبنان أن يسدد دفعاته المترتبة عليه، إضافة إلى إجراء إصلاح اقتصادي من نوع ما، لكن لا يتوقع أن تكون الظروف أفضل في المستقبل حيث ربما يتعثر لبنان من جديد في المستقبل البعيد.

ب. سيناريو عدم التعاون الخارجي مع لبنان

في ظل ضعف النشاط الاقتصادي العالمي بسبب كورونا وفي ظل انخفاض أسعار النفط بشكل كبير وبالتالي العوائد، تمر معظم الدول بمرحلة صعبة اقتصادياً عليها أن تتعامل معها بحذر وحساسية، مما يعني أن لبنان لن يحصل على مساعدات لتجاوز أزمته، خاصة وأن الولايات المتحدة تسعى لإيقاف تدفق أي دعم للبنان للضغط على حلفاء ايران والنظام السوري في لبنان، في هذه الحالة سيواجه لبنان الدائنين منفرداً، وسيجري اتفاقاً من نوع ما، وستسير الأمور مؤقتاً لفترة من الزمن ليعود من جديد للتعثر في المدى القصير أو المتوسط.

2. السيناريوهات التي يمكن أن يقوم بها الدائنون

1. سيناريو التوافق مع الحكومة في حال اتباعها خطة اصلاح محلية

بعد أن أعلنت الحكومة التوقف عن السداد، سارع الدائنون لتشكيل تكتل يضمن رأياً موحداً اتجاه الأمر لبدء بعملية تفاوض مع الحكومة، وما زال هذا المسار مستمراً حتى الآن.

ووفق هذا المسار يسعى الدائنون للضغط على الحكومة من أجل إصدار جدول ديون جديد بالتوافق مع الدائنين وتبدأ عملية إصلاح داخلية أبرزها إيجاد حلول لقطاع الكهرباء، وإدارة القطع الأجنبي ونفقات الحكومة.

ويمكن أن يؤدي التزام الحكومة بمثل هذا الشروط أن يُغري الدائنين للعودة مرة أخرى إلى المسار الطبيعي للإقراض، أي الرضا بمدد زمنية جديدة للاستحقاقات وقبض العوائد في وقتها.

2. سيناريو التوافق مع الحكومة في حال اتباعها لخطة صندوق النقد الدولي

وفق هذا السيناريو قد تقوم الحكومة باللجوء لصندوق النقد الدولي، رغم ما يُصرّح به حزب الله بأنه يرفض اللجوء إلى هذا المسار.

ورغم التحديات، إلا أن احتمال نجاح هذا السيناريو هو الأبرز، حيث يضغط الوضع الراهن على الأطراف السياسية لدفعها للموافقة على اللجوء للصندوق تحت ضغط الزمن والوضع المتدهور، وبالتالي ستضطر الحكومة للقبول بوصفة شديدة المرارة تخفض فيها النفقات وترتفع فيها الضرائب ويتم تسريح عدد من الموظفين الحكوميين.

وضمن هذا المسار سيكون لبنان قادراً على المدى المتوسط والبعيد بالإيفاء بالتزاماته وتخفيض الدين العام لما دون مائة بالمائة من الناتج الإجمالي على المدى الطويل، وكذلك تحسين مؤشرات الاقتصاد الوطني، وفي هذه الحالة سيكون الدائنون أكثر اطمئناناً بسبب ضمانات صندوق النقد وخبرته في مثل هذه المسائل، وربما يكون هذا السيناريو هو الأكثر احتمالية.

3. سيناريو عدم التوافق مع الحكومة واللجوء للمحاكم

في حال أصر كل طرف على شروط لا تتناسب مع الطرف الأخر أو أن تفشل المفاوضات بشكل كامل بالنتيجة، وبالتالي سيكون أمام الدائنين إمكانية مقاضاة الحكومة في الخارج والداخل في إطار القانون.

ويمكن أن يطالب الدائنين بأصول تتبع للحكومة موجودة خارج البلد أو حتى داخله، ورغم أن نتائج هذه المطالبة قد لا تكون محسومة لأحد الطرفين أو على أقل تقدير سيطول حسمها، فإن هذا السيناريو يفترض مساراً سيئاً تتدهور فيه الأمور بين الدائنين والحكومة، وتتعطل فيه معظم مفاصل الاقتصاد الوطني، وتضعف الثقة بين الأطراف مما يصعب إمكانية خوض جولات تفاوضية أخرى.